قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا الْمُصْطَدِمَانِ: رَاجِلَيْنِ، أَوْ عَلَى دَابَّتَيْنِ، أَوْ السَّفِينَتَيْنِ يَصْطَدِمَانِ، فَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ: فِي السَّفِينَتَيْنِ يَصْطَدِمَانِ لَا ضَمَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا أَحَدُ قَوْلَيْنِ: إمَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ مُدَبِّرُ السَّفِينَةِ نِصْفَ مَا أَصَابَتْ سَفِينَتُهُ لِغَيْرِهِ، أَوْ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ أَلْبَتَّةَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى صَرْفِهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمَنْ يُطِيعُهُ فَلَا يَفْعَلُ فَيَضْمَنُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ: أَنَّهُ مَا قَدَرَ عَلَى صَرْفِهَا، وَضَمَانُ الْأَمْوَالِ إذَا ضَمِنَ فِي ذِمَّتِهِ، وَضَمَانُ النُّفُوسِ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إذَا اصْطَدَمَتْ السَّفِينَتَانِ بِغَيْرِ قَصْدٍ مِنْ رُكَّابِهِمَا، لَكِنْ بِغَلَبَةٍ، أَوْ غَفْلَةٍ فَلَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا.
فَإِنْ حَمَلَا سَفِينَتَهُمَا عَلَى التَّصَادُمِ فَهَلَكَتَا: ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٌ نِصْفَ قِيمَةِ السَّفِينَةِ الْأُخْرَى، لِأَنَّهَا هَلَكَتْ مِنْ فِعْلِهَا، وَمِنْ فِعْلِ رُكَّابِهَا.
وَأَمَّا الْفَارِسَانِ يَصْطَدِمَانِ - فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَمَالِكًا، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ، قَالُوا: إنْ مَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ كَامِلَةً.
وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَزُفَرُ، وَالشَّافِعِيُّ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ صَاحِبِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - بِمِثْلِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ - وَكَذَلِكَ أَوْجَبُوا إنْ هَلَكَتْ الدِّيَتَانِ - أَوْ إحْدَاهُمَا - فَنِصْفُ قِيمَتِهَا أَيْضًا.
كَذَلِكَ - لَوْ رَمَوْا بِالْمَنْجَنِيقِ فَعَادَ الْحَجَرُ عَلَى أَحَدِهِمْ فَمَاتَ، فَإِنَّ الدِّيَةَ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ، وَتَسْقُطُ مِنْهَا حِصَّةُ الْمَقْتُولِ، لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ.
قَالُوا: فَلَوْ صَدَمَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَقَطْ، فَمَاتَ الْمَصْدُومُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّادِمِ إنْ كَانَ خَطَأً، وَفِي مَالِ الْقَاتِلِ إنْ قُتِلَتْ فِي الْعَمْدِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - أَنَّ السَّفِينَتَيْنِ إذَا اصْطَدَمَتَا بِغَلَبَةِ رِيحٍ أَوْ غَفْلَةٍ، فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الرُّكْبَانِ فِي ذَلِكَ