للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْرِفَ صَوَابَ ذَلِكَ مِنْ خَطَئِهِ: فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ بِقَتْلِ الْمُمْسِكِ يَقُولُ: قَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِلْمُمْسِكِ أَصْلًا، وَنَعَمْ، وَنَحْنُ نَقُولُ: لَوْ بَاشَرَ قَتْلَهُ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَوَجَبَ قَتْلُهُمْ

وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَالثَّالِثُ - أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِ عُمَرَ الَّتِي خَالَفُوهُ فِيهَا عَشْرَاتٍ: كَخُطْبَتِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الضِّرْسِ جَمَلًا، وَفِي الضِّلْعِ جَمَلًا، وَفِي التَّرْقُوَةِ جَمَلًا وَحُكْمِهِ فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ بِثُلُثِ دِيَتِهَا وَفِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ بِثُلُثِ دِيَتِهَا وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ بِثُلُثِ دِيَتِهَا كُلُّ ذَلِكَ عَنْهُ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ، وَأَوْضَحِ بَيَانٍ.

فَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا: أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَخَطَبَ بِهِ، وَحَكَمَ بِهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، لَا يُعْرَفُ لَهُ عَنْهُمْ مُخَالِفٌ فِيهِ لَا يَكُونُ: حُجَّةً، وَيَكُونُ مَا لَمْ يَقُلْ، وَلَا دَلَّ عَلَيْهِ، وَلَا أَشَارَ إلَيْهِ: حُجَّةً.

وَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ، فَكَيْفَ وَهُوَ لَا يَصِحُّ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الْمُمْسِكَ مُعِينٌ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَمَا جَاءَتْ قَطُّ سُنَّةٌ، وَلَا قُرْآنٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ: بِأَنَّ الْمُعِينَ يُقْتَلُ - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ لِتَعِرِّيهِ مِنْ الْحُجَجِ.

ثُمَّ وَجَدْنَاهُ يُبْطِلُهُ الْبُرْهَانُ: وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَصَّ: عَلَى أَنْ «لَا يَحِلَّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٌ تَرَكَ دِينَهُ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا» وَالْمُمْسِكُ لَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ " قَاتِلًا ".

ثُمَّ سَأَلْنَاهُمْ عَنْ الْمُمْسِكِ لِلْمَرْأَةِ حَتَّى يَزْنِيَ بِهَا غَيْرُهُ أَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا وَيُسَمَّى " زَانِيًا " أَمْ لَا؟ فَلَا خِلَافَ مِنْهُمْ فِي أَنَّهُ لَيْسَ " زَانِيًا " وَلَا يُسَمَّى " زَانِيًا " وَلَا عَلَيْهِ حَدُّ زِنًى - فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى الْمُمْسِكُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى مَا أَمْسَكَ لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>