للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالُوا: لَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَاتِلِ الْخَطَأِ - وَلَا ذَنْبَ لَهُ - كَفَّارَةً فِي ذَلِكَ، كَانَ الْعَامِدُ الْمُذْنِبُ أَحَقَّ بِالْكَفَّارَةِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا حَدِيثُ وَاثِلَةَ - فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْغَرِيفَ مَجْهُولٌ، وَقَدْ ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيُّ - وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ نَسَبَ الْغَرِيفَ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ فَقَالَ ابْنُ عَيَّاشٍ: وَلَمْ يَكُنْ فِي بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَيْرُوزَ أَحَدٌ يُسَمَّى عَيَّاشًا - وَابْنُ الْمُبَارَكِ أَوْثَقُ وَأَضْبِطُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ.

ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ قَتَلَ عَمْدًا، فَإِذْ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ: فَلَا شُبْهَةَ لَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَصْلًا.

وَإِنَّمَا فِيهِ - أَنَّ صَاحِبًا لَنَا قَدْ أَوْجَبَ؟ وَلَا يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ " أَوْجَبَ " بِمَعْنَى قَتَلَ عَمْدًا، فَصَارَ هَذَا التَّأْوِيلُ كَذِبًا مُجَرَّدًا، وَدَعْوَى عَلَى اللُّغَةِ لَا تُعْرَفُ.

وَقَدْ يَكُون مَعْنَى " أَوْجَبَ " أَيْ أَوْجَبَ لِنَفْسِهِ النَّارَ بِكَثْرَةِ مَعَاصِيهِ، وَيَكُونُ مَعْنَى " قَدْ أَوْجَبَ " أَيْ قَدْ حَضَرَتْ مَنِيَّتُهُ فَقَدْ يُقَالُ: هَذَا أَوْجَبُ فُلَانٍ؟ بِمَعْنَى مَاتَ - فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ.

وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ سُكُوتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْخَبَرِ عَنْ ذِكْرِ " الرَّقَبَةِ " أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً، وَعَنْ تَعْوِيضِ الشَّهْرَيْنِ: دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا خَبَرُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ فِي طَرِيقِهِ إسْرَائِيلَ - وَهُوَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ - وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ - وَكَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ -.

وَأَيْضًا - فَكَانَ يَكُونُ فِي إيجَابِ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ كَمَا كَانَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ الْمَأْمُورُ بِهَذِهِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا أَصْلًا - فَبَطَلَ تَعَلُّقَهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ - فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَطْرَدَ مِنْهُمْ لِلْخَطَأِ فِي قَوْلِهِمْ، فَقَدْ أَخْطَأَ مَعَهُمْ فِيهِ أَيْضًا، لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمْ أَنْ لَا يُقَاسَ الشَّيْءُ إلَّا عَلَى نَظِيرِهِ، وَمَا يُشْبِهُهُ لَا عَلَى ضِدِّهِ، وَمَا لَا يُشْبِهُهُ، فَالْخَطَأُ هَاهُنَا فِي قِيَاسِ الْعَمْدِ عَلَى الْخَطَأِ وَهُوَ ضِدُّهُ.

وَأَخْطَئُوا - أَيْضًا - كُلُّهُمْ مَعَهُ فِي قِيَاسِهِمْ الْمُخْطِئَ فِي الصَّيْدِ يَقْتُلُهُ مُحْرِمًا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>