أَخْبَرَنِي يُونُسُ - هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ مَالَ جِدَارٌ لِجَارِهِ، أَوْ انْصَدَعَ، فَقَالَ لَهُ: اكْسِرْ جِدَارَك هَذَا فَإِنَّا نَخَافُهُ؟ فَأَبَى عَلَيْهِ، ثُمَّ إنَّ الْجِدَارَ سَقَطَ فَقَتَلَ عَبْدَ الَّذِي نَهَاهُ، أَوْ حُرًّا مِنْ أَهْلِهِ؟ قَالَ: لَا نَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا، وَقَدْ فَرَّطَ وَأَسَاءَ.
وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ - فَإِنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: إنْ عَلِمَ صَاحِبُ الْجِدَارِ بِمَيْلِهِ وَضَعْفِهِ فَتَرَكَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَضْمَنْ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو ثَوْرٍ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إنْ لَمْ يُشْهِدُوا عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَدِلًا - وَهُوَ مَشْقُوقٌ - لَمْ يُجْبَرْ عَلَى نَقْضِهِ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: يَضْمَنُ مَا أَصَابَ جِدَارُهُ - أَشْهَدَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُمَا، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: إنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهَذَا ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمَا: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ - أَشْهَدَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِيَلُوحَ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتْبَعَهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - فَنَظَرْنَا فِيمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَحُكْمِ تَرْكِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، فَلَمْ نَجِدْ لَهُمَا مُتَعَلَّقًا لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا نَظَرٍ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: قَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ - وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّنَا قَدْ أَوْرَدْنَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الطَّوَائِفَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ كَثِيرًا جِدًّا، فَكَيْفَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ نَفَرٌ مِنْ التَّابِعِينَ؟ وَقَدْ أَوْرَدْنَا آنِفًا قَوْلَ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ - مَعَ أَنَّ الْقَوْمَ بِزَعْمِهِمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ؟ وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ وَضَعَ دَابَّةً فِي مِلْكِهِ فَخَرَجَتْ فَقَتَلَتْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ - أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ - فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْجِدَارِ يَنْهَدِمُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ؟ فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ وَظَهَرَ فَسَادُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute