للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ ذَلِكَ كَانَ بِإِذْنِ أُمِّهِ وَزَوْجِهَا وَأَهْلِهِ؟ قُلْنَا لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: نَعَمْ، قَدْ كَانَ هَذَا، وَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي إنَّمَا اسْتَخْدَمْته لِإِذْنِ أَهْلِهِ لِي فِي ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِذْنُهُمْ وَتَرْكُ إذْنِهِمْ عَلَى السَّوَاءِ وَإِنَّمَا الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ حُسْنُ النَّظَرِ لِلْغُلَامِ، فَإِنْ كَانَ مَا اسْتَعَانَهُ فِي عَمَلِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ نَظَرًا لَهُ فَهُوَ فِعْلُ خَيْرٍ - أَذِنَ أَهْلُهُ وَوَلِيُّهُ أَمْ لَمْ يَأْذَنُوا - وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ لَهُ فَهُوَ ظُلْمٌ -: أَذِنَ أَهْلُهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَأْذَنُوا.

بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: ١٣٥] .

وقَوْله تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وَلَمْ يَأْتِ بِمُرَاعَاةِ إذْنِ أَهْلِ الْغُلَامِ: لَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ - فَبَطَلَ مُرَاعَاةُ إذْنِهِمْ بِيَقِينٍ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعِينُ بِالْغُلَامِ نَاظِرًا لِلْغُلَامِ فِي تِلْكَ الِاسْتِعَانَةِ أَوْ غَيْرَ نَاظِرٍ لَهُ -: فَإِنْ كَانَ نَاظِرًا لَهُ فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَإِذَا هُوَ مُحْسِنٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا أَصَابَهُ مِمَّا لَمْ يَجْنِهِ هُوَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: ٩١] وَإِنْ كَانَ غَيْرَ نَاظِرٍ لَهُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ ظَالِمٌ لَهُ، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ ظَالِمٍ يَضْمَنُ دِيَةَ الْمَظْلُومِ.

أَلَا تَرَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ ظَلَمَ إنْسَانًا حُرًّا يُسَخِّرُهُ إلَى مَكَان بَعِيدٍ فَتَلِفَ هُنَالِكَ؟ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ الظَّالِمُ لَهُ، وَلَا فَرْقَ هَاهُنَا بَيْنَ ظُلْمٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ.

وَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا دِيَةَ إلَّا عَلَى قَاتِلٍ، وَالْمُسْتَعِينُ الظَّالِمُ لَمْ يُتْلِفْ الْمُسْتَعَانَ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَإِنَّ الْمُسْتَعِينَ لَهُ لَا يُسَمَّى قَاتِلًا لَهُ، وَلَا مُبَاشِرَ قَتْلِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَصْلًا - صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا - إلَّا أَنْ يُبَاشِرَ، أَوْ يَأْمُرَ بِإِكْرَاهِهِ وَإِدْخَالِهِ الْبِئْرَ، أَوْ تَطْلِيعِهِ فِي مَهْوَاةٍ فَيَطْلُعُ كَرْهًا لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي ذَلِكَ - فَهَذَا قَاتِلُ عَمْدٍ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، فَظَهَرَ أَمْرُ الصَّغِيرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا الْعَبْدُ - يُسَخِّرُهُ غَيْرُ سَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يُكْرِهْهُ لَكِنْ اسْتَعَانَهُ بِرَغْبَةٍ فَأَعَانَهُ فَتَلِفَ، فَإِنَّهُ أَيْضًا لَمْ يُبَاشِرْ إتْلَافَهُ، وَلَا ضَمَّهُ بِغَصْبٍ، فَلَا غَرَامَةَ فِيهِ أَصْلًا، وَلَكِنْ عَلَيْهِ إجَارَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ انْتَفَعَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ - وَهُوَ مَالُ غَيْرِهِ - فَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِمَالِ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>