للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ - وَبِهِ يَقُولُ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى.

وَقَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُ يُودَى، وَلَا يُرْفَعُ عَنْهُ لِجِنَايَتِهِ شَيْءٌ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ - وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ - وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.

وَقَوْلٌ ثَالِثٌ -: أَنَّهُ لَا دِيَةَ لِلْمُقْتَصِّ مِنْهُ - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَصَحَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ.

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِيَلُوحَ الْحَقُّ فَنَتْبَعَهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَدْنَا مَنْ قَالَ: أَنَّهُ يُودَى جُمْلَةً، فَإِمَّا يُرْفَعُ عَنْهُ بِقَدْرِ جِنَايَتِهِ، وَإِمَّا لَا يُرْفَعُ عَنْهُ بِقَدْرِ جِنَايَتِهِ.

يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَى الْقَاطِعِ، وَالْجَارِحِ، وَالْكَاسِرِ، وَالْفَاقِئِ، وَالضَّارِبِ: الْقَوَدَ مِمَّا فَعَلُوا فَقَطْ، وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ قَتْلًا، فَدِمَاؤُهُمْ مُحَرَّمَةٌ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُقْتَصَّ مِنْ شَيْءٍ مِنْ هَذَا لَوْ تَعَمَّدَ الْقَتْلَ فَلَزِمَهُ الْقَوَدُ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَمَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ مِمَّا فَعَلَ بِهِ بِحَقٍّ، فَقَدْ أُصِيبَ دَمُهُ خَطَأً، فَفِيهِ الدِّيَةُ.

وَقَالُوا أَيْضًا: إنَّ مَنْ أَدَّبَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ فِيهَا الدِّيَةُ، وَهُوَ إنَّمَا فَعَلَ مُبَاحًا، فَهَذَا الْمُقْتَصُّ مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ مُبَاحٍ فَفِيهِ الدِّيَةُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَاتَيْنِ؟ فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ أَسْقَطَ الدِّيَةَ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ مِنْ حُجَّتِهِمْ أَنْ قَالُوا: إنَّ الْقِصَاصَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَمَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَإِذْ أَحْسَنَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: ٩١] وَإِذْ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ فَلَا غَرَامَةَ تَلْحَقُهُ، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ أَهْلِهِ.

وَأَمَّا قِيَاسُ الْمُقْتَصِّ عَلَى مَوْتِ امْرَأَتِهِ فَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِوَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>