للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِلَافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَهَذَا حُكْمُ إمَامٍ - وَهُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ أَنْكَرَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ - وَهُمْ إذَا وَجَدُوا مِثْلَ هَذَا طَارُوا بِهِ، وَشَنَّعُوا عَلَى خُصُومِهِمْ مُخَالَفَتَهُ.

وَهُمْ كَمَا تَرَى قَدْ اسْتَسْهَلُوا خِلَافَهُ هَاهُنَا، وَقَدْ جَعَلُوا حُكْمًا مَأْثُورًا عَنْ عُمَرَ فِي تَنْجِيمِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يَصِحُّ عَنْهُ أَصْلًا: حُجَّةً يُنْكِرُونَ خِلَافَهَا، وَجَعَلُوا حُكْمَهُ بِالْعَاقِلَةِ عَلَى الدَّوَاوِينِ: حُجَّةً يُنْكِرُونَ خِلَافَهَا، وَلَمْ يَجْعَلُوا إيجَابَهُ هَاهُنَا كَفَّارَةً عَلَى الَّتِي مَسَحَتْ بَطْنَ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا بِعِتْقِ رَقَبَةٍ: حُجَّةً هَاهُنَا يَقُولُونَ بِهَا، وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ لَا يَسْتَحِلُّهُ ذُو وَرَعٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ نَصٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْعُمُومِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ - عَلَى الْعُمُومِ - الْقَوْلُ بِهَا، لَكِنَّا نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] .

«وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى خَلَقْتُ عِبَادِي كُلَّهُمْ حُنَفَاءَ» .

وَقَالَ تَعَالَى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ فَهُوَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَعَلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ.

فَصَحَّ أَنَّ مَنْ ضَرَبَ حَامِلًا فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ قَبْلَ تَمَامِهَا فَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ، لَكِنَّ الْغُرَّةَ وَاجِبَةٌ فَقَطْ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا، لَكِنْ أَسْقَطَهَا جَنِينًا فَقَطْ.

وَإِذْ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا - لَا خَطَأً وَلَا عَمْدًا - فَلَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ، إذْ لَا كَفَّارَةَ إلَّا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، وَلَا يُقْتَلُ إلَّا ذُو رُوحٍ، وَهَذَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ.

وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، وَتَيَقَّنَتْ حَرَكَتُهُ بِلَا شَكٍّ، وَشَهِدَ بِذَلِكَ أَرْبَعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>