وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوقِنْ أَنَّهُ تَجَاوَزَ مِائَةَ لَيْلَةٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَحْيَا قَطُّ، فَإِذَا لَمْ يَحْيَا قَطُّ، وَلَا كَانَ لَهُ رُوحٌ بَعْدُ، وَلَا قُتِلَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَاءٌ، أَوْ عَلَقَةٌ مِنْ دَمٍ، أَوْ مُضْغَةٌ مِنْ عَضَلٍ، أَوْ عِظَامٌ، وَلَحْمٌ: فَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ بَعْضُ أُمِّهِ، فَإِذْ لَيْسَ حَيًّا بِلَا شَكٍّ، فَلَمْ يُقْتَلْ، لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مَوَاتٌ، وَلَا مَيِّتٌ، وَإِذْ لَمْ يُقْتَلْ، فَلَيْسَ قَتِيلًا، فَلَيْسَ لِدِيَتِهِ حُكْمُ دِيَةِ الْقَتِيلِ؛ لِأَنَّ هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، وَإِنَّمَا يُقَاسُ عِنْدَ أَهْلِ الْقِيَاسِ الشَّيْءُ عَلَى نَظِيرِهِ، لَا عَلَى ضِدِّهِ - وَمَنْ لَيْسَ قَتِيلًا فَهُوَ غَيْرُ مُشْبِهٍ لِلْقَتِيلِ، فَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ هَاهُنَا عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ، وَإِذْ لَيْسَ قَتِيلًا، فَهُوَ بَعْضٌ مِنْ أَبْعَاضِهَا، وَدَمٌ مِنْ دَمِهَا، وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِهَا، وَبَعْضُ حَشْوَتِهَا بِلَا شَكٍّ، فَهِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا، فَالْغُرَّةُ لَهَا بِلَا شَكٍّ، فَإِنْ مَاتَتْ ثُمَّ طَرَحَتْ الْجَنِينَ - وَلَمْ يُوقِنْ أَنَّهُ أَتَمَّ عِشْرِينَ وَمِائَةَ لَيْلَةٍ - فَالْجَنِينُ لِوَرَثَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْجِنَايَةِ وَجَبَ لَهَا، فَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عَنْهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَكْثُرُ مِمَّنْ يُرَاعِي فِي الْمَوْلُودِ الِاسْتِهْلَالَ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُقَدْ بِهِ، وَلَا وَرِثَ مِنْهُ، ثُمَّ يُوَرِّثُ مِنْهُ الْغُرَّةَ - وَهُوَ لَمْ يَحْيَا قَطُّ، فَكَيْفَ أَنْ يَسْتَهِلَّ؟ وَنَسْأَلُهُمْ - عَنْ مَوْلُودٍ وُلِدَ فَرَضَعَ وَتَحَرَّكَ وَلَمْ يَسْتَهِلَّ، ثُمَّ قُتِلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً مَاذَا تَرَوْنَ فِيهِ؟ أَغُرَّةٌ أَمْ دِيَةٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: غُرَّةٌ، أَتَوْا بِطَرِيقَةٍ لَهُ لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ قَبْلَهُمْ - وَإِنْ قَالُوا: بَلْ دِيَةُ أُمِّهِ، نَقَضُوا أُصُولَهُمْ، إذْ جَعَلُوا فِي قَتْلِ مَيِّتٍ دِيَةً كَامِلَةً أَوْ قَوَدًا.
فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ مَيِّتًا؟ قُلْنَا لَهُمْ: قَوِيَ الْعَجَبُ أَنْ لَا تُوَرِّثُوا حَيًّا وَكُلُّ هَذِهِ أَقْوَالٌ يَنْقُضُ بَعْضُهَا بَعْضًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.:
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: نا وَكِيعٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَا جَمِيعًا: نا الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، قَالَ يُجْمَعُ أَحَدُكُمْ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: رِزْقُهُ وَأَجَلُهُ وَعَمَلُهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute