للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوَّلُهَا - أَنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ.

الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ تَقْوِيمَ الْغُرَّةِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا بَاطِلٌ، لَمْ يَصِحَّ قَطُّ فِي قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَصَارَ قِيَاسُهُمْ هَذَا قِيَاسًا لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ.

وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَهُمْ تَقْوِيمُ الْغُرَّةِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي ذَلِكَ هُوَ أَنْ يَكُونَ نِسْبَتُهُ مِنْ دِيَتِهِ، أَوْ مِنْ دِيَةِ أُمِّهِ؟ وَيُقَالُ لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا؟ وَهَلَّا قُلْتُمْ: إنَّهَا قِيمَةٌ نَافِذَةٌ مُؤَقَّتَةٌ: كَالْغُرَّةِ وَلَا فَرْقَ؟ وَلَكِنْ أَبَوْا إلَّا التَّرْدِيدَ مِنْ الدَّعَاوَى الْفَاسِدَةِ بِلَا بُرْهَانٍ.

وَالرَّابِعُ - أَنْ يُعَارَضَ قِيَاسُهُمْ بِمِثْلِهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَالْحَسَنِ: مِنْ أَنَّ الْخَمْسِينَ دِينَارًا الَّتِي قُوِّمَتْ بِهَا الْغُرَّةُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ إنَّمَا اُعْتُبِرَ بِهَا مِنْ دِيَةِ أُمِّهِ، لَا مِنْ دِيَةِ نَفْسِهِ؟ فَقَالُوا: إنْ كَانَ جَنِينُ الْأَمَةِ - ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى - فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ، كَمَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ - ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى - عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ، فَهَلْ هَاهُنَا إلَّا دَعْوَى مُقَابَلَةً بِمِثْلِهَا؟ وَتَحَكُّمٌ بِلَا دَلِيلٍ؟ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ فِيهِ حُكْمًا، فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا قَوْلًا عَارِيًّا مِنْ الْأَدِلَّةِ، فَوَجَبَ تَرْكُهُ، إذْ مَا لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، فَهِيَ دَعْوَى سَاقِطَةٌ.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، فَلَمْ يَجُزْ الْقَوْلُ بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ١١١] فَمَنْ لَا بُرْهَانَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ إلَّا مَا نَقَصَهَا، فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَنِينِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا سَقَطَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ [كُلُّهَا] وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>