للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: هَاجَتْ رِيحُ الْفِتْنَةِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَافِرُونَ، فَاجْتَمَعَ رَأْيَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَادُ وَلَا يُودَى مَا أُصِيبُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إلَّا مَا يُوجَدُ بِعَيْنِهِ.

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا الْتَقَتْ الْفِئَتَانِ فَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ دَمٍ أَوْ جِرَاحَةٍ فَهُوَ هَدَرٌ، أَلَا تَسْمَعُ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: ٩] الْآيَةَ، حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا؟ قَالَ: فَكُلُّ طَائِفَةٍ تَرَى الْأُخْرَى بَاغِيَةً.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ هَذَا، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِوَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُدْرِكْ تِلْكَ الْفِتْنَةَ وَلَا وُلِدَ إلَّا بَعْدَهَا بِبِضْعِ عَشْرَةِ سَنَةً وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ صَحَّ - كَمَا قَالَ - لَمَا كَانَ هَذَا إلَّا رَأْيًا مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ لَا نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا مِنْهُمْ، وَلَا حُجَّةً فِي رَأْيِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ اتِّبَاعَ الْقُرْآنِ، وَمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَوْ مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ، وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ بِاتِّبَاعِ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ بَعْضُ أُولِي الْأَمْرِ مِنَّا، وَإِذَا وَقَعَتْ تِلْكَ الْفِتْنَةُ فَبِلَا شَكٍّ أَنَّ الْمَاضِينَ بِالْمَوْتِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ الْبَاقِينَ، وَلَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ بَدْرٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَعُدُّوا، إذْ مَاتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَا وُجِدَ مِنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ إلَّا نَحْوُ مِائَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ، فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ لَوْ صَحَّ، فَكَيْفَ وَهُوَ لَا يَصِحُّ أَصْلًا؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدِ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقَدْ أَتَيْتُ الْخَوَارِجَ وَإِنَّهُمْ لَأَحَبُّ قَوْمٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إلَيَّ فَلَمْ أَزَلْ فِيهِمْ حَتَّى اخْتَلَفُوا، فَقِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَاتِلْهُمْ، فَقَالَ: لَا، حَتَّى يَقْتُلُوا، فَمَرَّ بِهِمْ رَجُلٌ اسْتَنْكَرُوا هَيْئَتَهُ، فَثَارُوا إلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي وَالسَّاعِي فِي النَّارِ» قَالَ: فَأَخَذُوهُ وَأُمَّ وَلَدِهِ فَذَبَحُوهُمَا جَمِيعًا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ فَلَقَدْ رَأَيْتُ دَمَاهُمَا فِي النَّهْرِ كَأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>