للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دِمَاؤُهُمْ، وَكَانُوا إخْوَانَنَا، وَمَا دَامُوا مُقَاتِلِينَ بَاغِينَ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ إعْطَاؤُهُمْ الْأَمَانَ عَلَى ذَلِكَ، فَالْأَمَانُ وَالْإِجَارَةُ هَاهُنَا هَدَرٌ وَلَغْوٌ، وَإِنَّمَا الْأَمَانُ وَالْإِجَارَةُ لِلْكَافِرِ الَّذِي يَحِلُّ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ - إذَا أَسَرُوهُ - وَاسْتِبْقَاؤُهُ، لَا فِي مُسْلِمٍ - إنْ تَرَكَ بَغْيَهُ - كَانَ هُوَ مِمَّنْ يُعْطَى الْأَمَانَ وَيُجَارُ.

وَلَوْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أَجَارَ كَافِرًا جَازَتْ إجَارَتُهُ، كَإِجَارَةِ غَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ» .

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ دَخَلُوا غُزَاةً إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَوَافَقُوا أَهْلَ الْعَدْلِ فَقَاتَلُوا مَعَهُمْ فَغَنِمُوا، فَالْغَنِيمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُسْلِمُونَ.

وَمَنْ قَتَلَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ قَتِيلًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَلَهُ سَلَبُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ الْحُكْمِ.

وَلَوْ تُرِكَ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْ الْكُفَّارِ، وَأَهْلُ الْمُحَارَبَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْل الْبَغْيِ، فَفَرْضٌ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى الْإِمَامِ عَوْنُ أَهْلِ الْبَغْيِ وَإِنْقَاذُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ مُسْلِمُونَ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠] وَقَالَ تَعَالَى {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: ٥٤] وَقَالَ تَعَالَى {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: ٢٩] وَأَمَّا أَهْلُ الْمُحَارَبَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ ظُلْمَ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي أَخْذِ أَمْوَالِهِمْ، وَالْمَنْعُ مِنْ الظُّلْمِ وَاجِبٌ - قَالَ اللَّه تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] فَمَنْ تَرَكَ الْمُحَارِبَ، لَمْ يُعِنْ الْمَطْلُوبَ فَقَدْ أَعَانَ الْمُحَارِبَ عَلَى إثْمِهِ وَعُدْوَانِهِ، وَهَذَا حَرَامٌ.

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ وَأَهْلَ الْبَغْيِ تَوَادَعُوا وَتَعَاطَوْا الرِّهَانَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ، إلَّا مَعَ ضَعْفِ أَهْلِ الْعَدْلِ عَلَى الْمُقَاتَلَةِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: ٩] فَمَا دُمْنَا قَادِرِينَ عَلَى الْمُقَاتَلَةِ لَهُمْ لَمْ يَحِلَّ لَنَا غَيْرُهَا أَصْلًا، وَلَسْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>