للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشْرَبُهُ، وَكُلِّ سَرِقَةٍ يَسْرِقُهَا، وَكُلِّ حِرَابَةٍ يُحَارِبُ، وَكُلِّ عَارِيَّةٍ يَجْحَدُهَا قَبْلَ عِلْمِ الْإِمَامِ بِذَلِكَ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ، لَكِنَّا نَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى مَنْ زَنَى مَرَّةً، أَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ - إذَا عَلِمَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ - جَلْدَ مِائَةٍ، وَعَلَى الْقَاذِفِ، وَالسَّارِقِ، وَالْمُحَارِبِ، وَشَارِبِ الْخَمْرِ، وَالْجَاحِدِ مَرَّةً، وَأَلْفَ مَرَّةٍ حَدًّا وَاحِدًا، إذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ ذَلِكَ كُلَّهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا إنْ وَقَعَ عَلَى مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ تَضْيِيعٌ مِنْ الْإِمَامِ، أَوْ أَمِيرِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، ثُمَّ شَرَعَ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ فَوَقَعَتْ ضَرُورَةٌ مَنَعَتْ مِنْ إتْمَامِهِ فَوَاقَعَ فِعْلًا آخَرَ مِنْ نَوْعِ الْأَوَّلِ، فَقَوْلُنَا، وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا سَوَاءٌ: يَسْتَتِمُّ عَلَيْهِ الْحَدَّ الْأَوَّلَ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ فِي الثَّانِي وَلَا بُدَّ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْحَدَّ كُلَّهُ قَدْ وَجَبَ بِعِلْمِ الْإِمَامِ، أَوْ أَمِيرِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى إقَامَةِ جَمِيعِ الْحَدِّ، ثُمَّ أَحْدَثَ ذَنْبًا آخَرَ، فَلَا يَجْزِي عَنْهُ حَدٌّ قَدْ تَقَدَّمَ وُجُوبُهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَنَسْأَلُ الْمُخَالِفِينَ عَنْ قَوْلِهِمْ فِيمَنْ زَنَى مَرَّاتٍ، أَوْ شَرِبَ مَرَّاتٍ، أَوْ قَذَفَ مَرَّاتٍ إنْسَانًا وَاحِدًا، أَوْ سَرَقَ مَرَّاتٍ، أَوْ حَارَبَ مَرَّاتٍ - وَعَلِمَ الْإِمَامُ كُلَّ ذَلِكَ - وَقَدَرَ عَلَى إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يُحَدَّ حَتَّى وَاقَعَ مَا ذَكَرْنَا، فَلَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ إلَّا حَدًّا وَاحِدًا، مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: إنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فَوَطِئَ أَيَّامًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةً؟ وَمَنْ حَلَفَ أَيْمَانًا كَثِيرَةً عَلَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ؟ وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ: إنْ ظَاهَرَ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً فَإِنَّ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةً؟ وَقَوْلُهُمْ كُلُّهُمْ: إنَّ مَنْ أَصَابَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ - صُيُودًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ صَيْدٍ جَزَاءٌ بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ لَوْ أَصَابَ صَيْدًا وَاحِدًا - وَهُوَ قَارِنٌ - فَعَلَيْهِ جَزَاءَانِ.

فَإِنْ ادَّعَوْا فِي كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ إجْمَاعًا: ظَهَرَ جَهْلُ مَنْ ادَّعَى ذَلِكَ، أَوْ كَذِبُهُ، لِأَنَّ زُفَرَ بْنَ الْهُذَيْلِ وَغَيْرَهُ - مِنْهُمْ - يَرَى أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ جَمِيعَ أَيَّامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>