بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُ قَدْ صَحَّ مِنْهُ الذَّنْبُ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ، وَلَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ إلَّا بِنُطْقِهِ بِهَا، فَهُوَ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِهَا وَبِالْإِصْرَارِ: فَمُمْكِنٌ أَنْ يَتُوبَ فِي نَفْسِهِ، وَمُمْكِنٌ أَنْ لَا يَتُوبَ، فَلَمَّا كَانَ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مُمْكِنًا لَمْ يَحِلَّ ضَرْبُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمُنْكَرٍ تَيَقَّنَ أَنَّهُ أَتَى بِهِ، وَلَمْ يَجُزْ تَسْرِيحُهُ، لِأَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ دُعَاؤُهُ إلَى التَّوْبَةِ حَتَّى يَتُوبَ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إمْسَاكِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَهَكَذَا أَبَدًا مَتَى تَابَ ثُمَّ وَاقَعَ الذَّنْبَ أَوْ غَيْرَهُ، فَقَدْ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرَانِ مُرْسَلَانِ فِي أَنَّهُ اسْتَتَابَ السَّارِقَ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ: كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَعْمَرٌ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَسُفْيَانُ، كِلَاهُمَا: عَنْ أَبِي خَصْفَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ ثَوْبَانَ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، قَالَ أَيُّوبُ، وَابْنُ ثَوْبَانَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ سَرَقَ شَمْلَةً فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا سَرَقَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَا إخَالُهُ، أَسَرَقْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاذْهَبُوا فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ احْسِمُوهَا، ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ، فَأَتَوْهُ بِهِ، فَقَالَ: إنِّي أَتُوبُ إلَى اللَّهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ» .
وَبِهِ - إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «قَطَعَ رَجُلًا ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَحُسِمَ قَالَ لَهُ تُبْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ: أَتُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إنَّ السَّارِقَ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَقَعَتْ فِي النَّارِ، فَإِنْ عَادَ تَبِعَهَا، وَإِنْ تَابَ اسْتَشَالَهَا» .
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يَقُولُ اسْتَشَالَهَا اسْتَرْجَعَهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَانِ مُرْسَلَانِ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِيمَا أَوْرَدْنَا مِنْ النُّصُوصِ قَبْلُ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهُمَا لِئَلَّا يُمَوِّه مُمَوِّهٌ بِمَا فِيهِمَا مِنْ الِاسْتِتَابَةِ بَعْدَ الْقَطْعِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute