للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَنَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: ٢]

وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} [البقرة: ١٤٠] .

وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣] .

وَقَالَ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢] .

وَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا لَيْثٌ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ النُّصُوصِ كُلِّهَا، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا الْعَمَلَ فِي جَمْعِهَا - الَّذِي لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ - لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يُخَصَّ عُمُومُ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، وَإِمَّا أَنْ يُخَصَّ عُمُومُ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ بِالْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ، إذْ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ غَيْرُ هَذَا وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْعَمَلَيْنِ، فَإِنْ خَصَّصْنَا عُمُومَ الْآيَاتِ بِالْخَبَرِ كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقِيَامَ بِالشَّهَادَاتِ كُلِّهَا، وَالْإِعْلَانِ بِهَا فَرْضٌ، إلَّا مَا كَانَ مِنْهَا سَتْرُ الْمُسْلِمِ فِي حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ، فَالْأَفْضَلُ السَّتْرُ، وَإِنْ خَصَّصْنَا عُمُومَ الْخَبَرِ بِالْآيَاتِ كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ السَّتْرَ عَلَى الْمُسْلِمِ حَسَنٌ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَاتِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ.

فَنَظَرْنَا: أَيْ هَذَيْنِ الْعَمَلَيْنِ هُوَ الَّذِي يَقُومُ الْبُرْهَانُ عَلَى صِحَّتِهِ فَيُؤْخَذُ بِهِ، إذْ لَا يَحِلُّ أَخْذُ أَحَدِهِمَا مُطَارَفَةً دُونَ الْآخَرِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا جَمْعًا جَمِيعًا، بَلْ الْحَقُّ فِي أَحَدِهِمَا بِلَا شَكٍّ.

فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - فَوَجَدْنَا السَّتْرَ عَلَى الْمُسْلِمِ الَّذِي نُدِبْنَا إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا يَسْتُرُهُ وَيَسْتُرُ عَلَيْهِ فِي ظُلْمٍ يَطْلُبُ بِهِ الْمُسْلِمُ، فَهَذَا فَرْضٌ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ هَذَا مَنْدُوبًا إلَيْهِ، بَلْ هُوَ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>