للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَفَّنَ لَحْمًا، أَوْ كَسَرَ لَهُ عَظْمًا، فَعَلَى مُتَوَلِّي ذَلِكَ الْقَوَدُ، وَعَلَى الْآمِرِ أَيْضًا الْقَوَدُ إنْ أَمَرَ بِذَلِكَ

بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: ٣]

فَعَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّ لِضَرْبِ الْحُدُودِ قَدْرًا لَا يَتَجَاوَزُهُ وَقَدْرًا لَا يَنْحَطُّ عَنْهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَطَلَبْنَا ذَلِكَ فَوَجَدْنَا أَدْنَى أَقْدَارِهِ أَنْ يُؤْلِمَ، فَمَا نَقَصَ عَنْ الْأَلَمِ فَلَيْسَ مِنْ أَقْدَارِهِ - وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ - وَكَانَ أَعْلَى أَقْدَارِهِ نِهَايَةُ الْأَلَمِ فِي الزِّنَى مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ الْحَطِيطَةُ مِنْ الْأَلَمِ عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفْنَا

فَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَحَرُمَتْ إسَالَةُ الدَّمِ نَصًّا إذْ هَرْقُ الدَّمِ حَرَامٌ، إلَّا مَا أَبَاحَهُ نَصٌّ، أَوْ إجْمَاعٌ - وَلَا نَصَّ، وَلَا إجْمَاعَ عَلَى إبَاحَةِ إسَالَةِ الدَّمِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ - نَعَمْ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ

وَأَمَّا تَعَفُّنُ اللَّحْمِ: فَقَدْ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَحْرِيمِ الْبَشَرَةِ، فَلَا يَحِلُّ مِنْهَا إلَّا مَا أَحَلَّهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَإِنَّمَا صَحَّ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى إبَاحَتِهَا لِلْأَلَمِ فَقَطْ، وَأَمَّا كَسْرُ الْعِظَامِ، فَلَا يَقُولُ بِإِبَاحَتِهِ فِي ضَرْبِ الْحُدُودِ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ بِلَا شَكٍّ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَأَلْنَاهُ أَلِشِدَّةِ الضَّرْبِ فِي ذَلِكَ حَدٌّ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، تَرَكُوا قَوْلَهُمْ، وَخَالَفُوا الْإِجْمَاعَ، وَلَزِمَهُمْ أَنْ يُبِيحُوا أَنْ يُجْلَدَ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِسَوْطٍ مَمْلُوءٍ حَدِيدًا أَوْ رَصَاصًا يُقْتَلُ مَنْ ضَرَبَهُ - وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ

وَإِنْ قَالُوا: إنَّ لِذَلِكَ حَدًّا وَقَدْرًا نَقِفُ عِنْدَهُ فَلَا يَحِلُّ تَجَاوُزُهُ: سُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ حَدُّوا فِيهِ غَيْرَ مَا حَدَدْنَا كَانُوا مُتَحَكِّمِينَ فِي الدِّينِ بِلَا بُرْهَانٍ

فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الْحُدُودَ إنَّمَا جُعِلَتْ لِلرَّدْعِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: كَلًّا، مَا ذَلِكَ كَمَا تَقُولُونَ، إنَّمَا رَدْعُ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّحْرِيمِ وَبِالْوَعِيدِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>