أَبِيهِ لَا يَصِحُّ، وَشَكَّ ابْنُ مِقْسَمٍ أَسَمِعَهُ مِنْ كُرَيْبٍ أَمْ بَلَغَهُ عَنْهُ؟ ثُمَّ هُوَ عَنْ كُرَيْبٍ مُرْسَلٌ
ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا: أَنْ لَا تُجْلَدَ الْحُدُودُ إلَّا بِسَوْطٍ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّ الْحُدُودَ جَائِزٌ أَنْ يُضْرَبَ بِسَوْطٍ هَذِهِ صِفَتُهُ فَقَطْ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا نَأْبَاهُ - فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ
وَأَمَّا الْأَثَرُ: عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَصَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَلَمَّا سَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ نَظَرْنَا فِيمَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٢]
وَقَالَ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥]
وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ»
وَقَالَ تَعَالَى فِي الْقَاذِفِ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤]
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا»
وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ»
وَنَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُجْلَدَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ جَلَدَاتٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ، فَأَيْقَنَّا يَقِينًا لَا يَدْخُلُهُ شَكٌّ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْجَلْدُ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا بِسَوْطٍ دُونَ سَوْطٍ لَبَيَّنَهُ لَنَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْقُرْآنِ، وَفِي وَحْيٍ مَنْقُولٍ إلَيْنَا ثَابِتٍ، كَمَا بَيَّنَ صِفَةَ الضَّرْبِ فِي الزِّنَى، وَكَمَا بَيَّنَ حُضُورَ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلْعَذَابِ فِي ذَلِكَ، فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ تَعَالَى فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ قَطُّ أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ فِي الْحُدُودِ بِسَوْطٍ خَاصَّةً، دُونَ سَائِرِ مَا يُضْرَبُ بِهِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُضْرَبَ الْحَدَّ فِي الزِّنَى وَالْقَذْفِ بِمَا يَكُونُ الضَّرْبُ بِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، بِسَوْطٍ، أَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ، أَوْ مِنْ كَتَّانٍ، أَوْ مِنْ قُنَّبٍ، أَوْ صُوفٍ، أَوْ حَلْفَاءَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ تَفِرٍ، أَوْ قَضِيبٍ مِنْ خَيْزُرَانَ؛ أَوْ غَيْرِهِ، إلَّا الْخَمْرُ، فَإِنَّ الْجَلْدَ فِيهَا عَلَى مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute