للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَلِيلٌ عَلَى نَدَامَتِهِمْ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ، وَأَنَّ التَّوْبَةَ لَهُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَى مَا فِي الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَقَالَ تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: ٦٠] إلَى قَوْله تَعَالَى {لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: ١٠١]

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ فِي الْمُنَافِقِينَ بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَعْلَمُونَهُمْ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَاطَبٌ بِهَذَا الْخِطَابِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِلَا شَكٍّ فَهُوَ لَا يَعْلَمُهُمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُهُمْ، وَقَالَ تَعَالَى {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ} [التوبة: ٤٢] إلَى قَوْله تَعَالَى {كَارِهُونَ} [التوبة: ٤٨] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ إلَّا أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ كَاذِبِينَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ كَذِبَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بِذَلِكَ، وَهَذِهِ صِفَةُ كُلِّ عَاصٍ فِي مَعْصِيَتِهِ.

وَفِي الْآيَةِ أَيْضًا: مُعَاتَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى إذْنِهِ لَهُمْ.

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: ٤٤] إلَى قَوْله تَعَالَى {يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: ٤٥] فَإِنَّ وَجْهَ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ لَا تُصْرَفَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلَا إجْمَاعٍ: أَنَّهُ فِي الْمُسْتَأْنَفِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهَا لَفْظُ الِاسْتِقْبَالِ.

وَلَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ تَبُوكَ، وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ تَبُوكَ غَزْوَةٌ أَصْلًا، وَلَكِنَّا نَقْطَعُ عَلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ هُنَاكَ غَزْوَةٌ بَعْدَ تَبُوكَ وَبَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ فَاسْتَأْذَنَ قَوْمٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُعُودِ دُونَ عُذْرٍ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لَكَانُوا بِلَا شَكٍّ مُرْتَابَةً قُلُوبُهُمْ كُفَّارًا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ مُتَرَدِّدِينَ فِي الرَّيْبِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ.

ثُمَّ قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة: ٤٦] إلَى قَوْله تَعَالَى {كَارِهُونَ} [التوبة: ٤٨] فَهَذِهِ أَخْبَارٌ عَمَّا خَلَا لَهُمْ وَعَنْ سَيِّئَاتٍ اقْتَرَفُوهَا، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يُوجِبُ لَهُمْ الْكُفْرَ، حَتَّى لَوْ كَانُوا مَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وقَوْله تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} [التوبة: ٤٩] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ فَرِحُونَ} [التوبة: ٥٠] .

<<  <  ج: ص:  >  >>