للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذِهِ لَا دَلِيلَ فِيهَا أَصْلًا عَلَى أَنَّ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ مَعْرُوفُونَ بِأَعْيَانِهِمْ لَكِنَّهَا صِفَةٌ وَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى يَعْرِفُونَهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ إذَا سَمِعُوهَا فَقَطْ.

وَقَالَ تَعَالَى {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ} [النور: ٤٧] إلَى قَوْله تَعَالَى {هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: ٢٠] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانٌ أَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِأَعْيَانِهِمْ وَإِنَّمَا هِيَ صِفَةٌ مَنْ سَمِعَهَا عَرَفَهَا مِنْ نَفْسِهِ، وَهِيَ تَخْرُجُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا - أَنْ يَكُونَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَافِرًا وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ النِّفَارَ عَنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَيَدِينُ بِأَنْ لَا يَرْضَى بِهِ فَهَذَا كُفْرٌ مُجَرَّدٌ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي - يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا - أَنْ يَكُونَ فَاعِلٌ ذَلِكَ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ فِي الظُّلْمِ وَمُحَابَاةِ نَفْسِهِ عَارِفًا بِقُبْحِ فِعْلِهِ فِي ذَلِكَ وَمُعْتَقِدًا أَنَّ الْحَقَّ فِي خِلَافِ فِعْلِهِ - فَهَذَا فَاسِقٌ، وَلَيْسَ كَافِرًا.

وَالثَّانِي - أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مُقَلِّدًا لِإِنْسَانٍ فِي أَنَّهُ قَدْ شَغَفَهُ تَعْظِيمُهُ إيَّاهُ وَحُبُّهُ مُوهِمًا نَفْسَهُ أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي النَّاسِ فَأَهْلُ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ مُخْطِئُونَ عُصَاةٌ وَلَيْسُوا كُفَّارًا وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [المائدة: ٤٣] أَيْ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُطِيعِينَ، لِأَنَّ كُلَّ طَاعَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ إيمَانٌ، وَكُلَّ إيمَانٍ طَاعَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُطِيعًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي شَيْءٍ مَا فَهُوَ غَيْرُ مُؤْمِنٍ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ - وَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِيهِ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى.

وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: ١] إلَى قَوْله تَعَالَى {عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: ١١] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذِهِ الْآيَةُ يَقْتَضِي ظَاهِرُهَا أَنَّ أَهْوَاءَ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ مَعْرُوفَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَكْفُرَ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ.

قَالَ تَعَالَى {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: ٨٩] فَإِذْ أَهْوَاؤُهُمْ مَعْرُوفَةٌ فَفَرَضَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ لَا يُطِيعَهُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّا قَدْ عَرَفَ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُشِيرُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِرَأْيٍ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>