للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَظَرْنَا فِي هَذَيْنِ الِاحْتِجَاجَيْنِ فَوَجَدْنَاهُمَا صَحِيحَيْنِ، إذْ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ صَحِيحٌ يُعَارِضُهُمَا - فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ «إذَا أَصَابَ الْمُكَاتَبُ حَدًّا أَوْ مِيرَاثًا وَرِثَ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ، وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مُتَّصِلًا بِهِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ.

فَاقْتَضَى لَفْظُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُكْمُهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ حُكْمَ الْمَمَالِيكِ فِي الْحَدِّ بِخِلَافِ حُكْمِ الْأَحْرَارِ جُمْلَةً إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ سَوَاءً لَمَا كَانَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ «يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِحِسَابِ مَا عَتَقَ مِنْهُ» مَعْنًى أَصْلًا، وَلَكَانَ الْمُكَاتَبُ الَّذِي عَتَقَ بَعْضُهُ كَأَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ، هَذَا خِلَافُ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الرِّدَّةِ فِي الْحُدُودِ خِلَافُ حُكْمِ الْحُرِّ، فَلَيْسَ إلَّا أَحَدُ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا، وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا: إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمَمَالِيكِ حَدٌّ أَصْلًا، وَهَذَا بَاطِلٌ بِمَا أَوْرَدْنَاهُ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ فِي الْبَابِ الْمُتَّصِلِ بِهَذَا الْبَابِ وَإِسْنَادُهُ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى التَّغْلِبِيَّ - عَنْ مَيْسَرَةَ - هُوَ ابْنُ جَمِيلَةَ - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» فَكَانَ هَذَا عُمُومًا مُوجِبًا لِوُقُوعِ الْحُدُودِ عَلَى الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ.

وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمَمَالِيكِ حَدٌّ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ حُدُودِ الْأَحْرَارِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، إذْ قَدْ بَطَلَ الْوَجْهُ الْآخَرُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا هَذَا، وَالْحَقُّ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا بُدَّ - مَعَ وُرُودِ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا - مِنْ وُجُوبِ إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُنَا، وَأَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ حُدُودِ الْأَحْرَارِ، فَإِذْ قَدْ وَجَبَ هَذَا - بِلَا شَكٍّ - فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَحْدِيدِ حَدِّ الْمَمَالِيكِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْأَحْرَارِ فِي الْحُدُودِ، فَقَدْ صَحَّ إجْمَاعُ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ - وَهُمْ أَهْلُ الْحَقِّ -: عَلَى أَنَّ الْمَمَالِيكَ فِي الْحَدِّ نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ، فَكَانَ هَذَا حُجَّةً صَحِيحَةً مَعَ صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ عَلَى إطْبَاقِ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ: عَلَى أَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ لَيْسَ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَدِّ الْحُرِّ، وَلَا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ حَدِّ الْحُرِّ، وَلَمْ يَأْتِ بِهَذَا نَصٌّ قَطُّ - فَهَذَا إجْمَاعٌ صَحِيحٌ مُتَيَقَّنٌ عَلَى إبْطَالِ الْقَوْلِ بِأَنْ يَكُونَ حَدُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>