للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحَرَّمِ الْعَيْنِ فَلَيْسَ عِهْرًا، وَلَا زِنًى، وَإِنَّمَا الْعِهْرُ: مَا كَانَ فِي مُحَرَّمَةِ الْعَيْنِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قَالَ: ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ أَوْجَبَ الْحَدَّ فِي وَطْءِ الْأُمِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ كَحَدِّ الزِّنَى بِغَيْرِهَا مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَقَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ فِي ذَلِكَ الْقَتْلَ - أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ - فَوَجَدْنَا الْخَبَرَ فِي قَتْلِ مَنْ أَعْرَسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ ثَابِتًا وَالْحُجَّةُ بِهِ قَائِمَةٌ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ، وَلَمْ يَسَعْ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهُ.

فَكَانَ مِنْ قَوْلِ الْمُخَالِفِ فِي ذَلِكَ أَنْ قَالُوا: قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الَّذِي أَعْرَسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا لَهُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا فَنَحْنُ لَا نُخَالِفُكُمْ فِي ذَلِكَ؟

فَقُلْنَا لَهُمْ: إنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِمَّنْ زَادَهَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَرَّدٌ، وَعَلَى مَنْ رَوَى ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَقَالَ الرَّاوِي: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَى رَجُلٍ ارْتَدَّ فَاسْتَحَلَّ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَقَتَلْنَاهُ عَلَى الرِّدَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ الرَّاوِي، فَهُوَ كَذِبٌ مُجَرَّدٌ، فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ ظَنُّ مَا لَيْسَ فِيهِ.

فَصَحَّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَةَ أَبِيهِ بِعَقْدٍ سِمَاهُ نِكَاحًا - أَوْ بِغَيْرِ عَقْدٍ كَمَا جَاءَتْ أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ - فَقَتْلُهُ وَاجِبٌ وَلَا بُدَّ، وَتَخْمِيسُ مَالِهِ فَرْضٌ، وَيَكُونُ الْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ - إنْ كَانَ لَمْ يَرْتَدَّ - أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ، إنْ كَانَ ارْتَدَّ.

فَإِنْ قَالُوا: لَمْ نَجِدْ مِثْلَ هَذَا فِي الْأُصُولِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: لَا أَصْلَ عِنْدَنَا إلَّا الْقُرْآنُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ، فَهَذَا الْخَبَرُ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ - وَلَكِنْ أَخْبِرُونَا: فِي أَيِّ الْأُصُولِ وَجَدْتُمْ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ أُمَّهُ - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهَا أُمُّهُ - أَوْ ابْنَتُهُ - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهَا ابْنَتُهُ أَوْ أُخْتُهُ - أَوْ إحْدَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ - وَهُوَ يَدْرِي عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ فِي كُلِّ ذَلِكَ: فَوَطِئَهُنَّ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَالْمَهْرُ وَاجِبٌ لَهُنَّ عَلَيْهِ، وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ، فَمَا نَدْرِي هَذَا إلَّا فِي غَيْرِ الْإِسْلَامِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ نَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ فِيمَا وَرَدَتْ بِهِ، فَنَقُولُ: إنَّ مَنْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَةِ أَبِيهِ - بِعَقْدٍ أَوْ بِغَيْرِ عَقْدٍ أَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا بِاسْمِ نِكَاحٍ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا - فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا بُدَّ - مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ - وَيُخَمَّسُ مَالُهُ، وَسَوَاءٌ أُمَّهُ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ أُمِّهِ، دَخَلَ بِهَا أَبُوهُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>