بَيَانٌ وَلَا إشَارَةٌ بِأَنَّ النَّاسَ صَلَّوْا خَلْفَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قِيَامًا، حَاشَا أَبَا بَكْرٍ الْمُسْمِعَ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ فَقَطْ؛ فَلَمْ تَجُزْ مُخَالَفَةُ يَقِينِ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ بِأَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ جُلُوسًا -: لِظَنٍّ كَاذِبٍ لَا يَصِحُّ أَبَدًا، بَلْ لَا يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُظَنَّ بِالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالَفَةُ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَيْفَ وَفِي نَصِّ لَفْظِ الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُصَلُّوا إلَّا قُعُودًا وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ: «أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ» ، وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا قِيَامًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ لَمَا اقْتَدَى بِصَلَاتِهِ إلَّا الصَّفُّ الْأَوَّلُ فَقَطْ؛ وَأَمَّا سَائِرُ الصُّفُوفِ فَلَا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَهُ؛ لِأَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ يَحْجُبُهُمْ عَنْهُ، وَالصُّفُوفُ خَلْفَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَتْ مَرْصُوصَةً، لَا مُتَنَابِذَةً، وَلَا مُتَقَطِّعَةً، فَإِذْ فِي نَصِّ الْخَبَرِ، وَلَفْظِهِ: «أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ» ، فَهَذَا خَبَرٌ عَنْ جَمِيعِهِمْ؛ فَصَحَّ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي حَالٍ يَرَوْنَهُ كُلُّهُمْ، فَيَصِحُّ لَهُمْ الِاقْتِدَاءُ بِصَلَاتِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ إلَّا فِي حَالِ قُعُودِهِمْ؛ وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ لَفْظِ الْخَبَرِ، وَلَا حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ إلَّا بِنَصٍّ جَلِيٍّ.
ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي الْحَدِيثِ نَصًّا: أَنَّهُمْ صَلَّوْا قِيَامًا - وَهَذَا لَا يُوجَدُ أَبَدًا - لَمَا كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى النَّسْخِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ كَانَ يَكُونُ حِينَئِذٍ إبَاحَةً فَقَطْ، وَبَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ الْمُتَقَدَّمَ نَدْبٌ وَلَا مَزِيدَ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُذَكَّرِ: إنَّهُ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا، وَفِي الصَّفِّ إنْ شَاءَ أَوْ إلَى جَنْبِ الْإِمَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute