للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ، فَوَجَدْنَا الزُّهْرِيَّ يَقُولُ فِي نَفْيِ الْمَرْءِ عَنْ أَبِيهِ، أَوْ عَنْ نَسَبِهِ - كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ عَلَى النَّافِي فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنْ يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ: فَنَظَرْنَا هَلْ نَجِدُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟

فَلَمْ نَجِدْهُ أَصْلًا، وَإِنَّمَا وَجَدْنَا فِيهِ الْحَدَّ، وَوُجُوبَ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ عَلَى رَمْيِ الْمُحْصَنَاتِ فَوَجَدْنَا النَّافِيَ إنْسَانًا عَنْ نَسَبِهِ، فَلَمْ يَرْمِ مُحْصَنَةً أَصْلًا، وَالزُّهْرِيُّ - وَإِنْ كَانَ عِنْدَنَا أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْفُضَلَاءِ - فَهُوَ بَشَرٌ يَهِمُ كَمَا يَهِمُ غَيْرُهُ، وَيُخْطِئُ وَيُصِيبُ، بَلْ وَجَدْنَا نَصَّ الْقُرْآنِ مُخَالِفًا لِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ، لِأَنَّهُ يُسْقِطُ الْحَدَّ عَمَّنْ رَمَى الْمُحْصَنَاتِ إذَا قَالَ لِابْنِ أَمَةٍ، أَوْ ابْنِ كَافِرَةٍ: يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ، وَأَوْجَبَهُ حَيْثُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ إيجَابُهُ إذَا قَالَ لَهُ: لَسْتَ لِأَبِيكَ - فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِذَلِكَ جُمْلَةً. فَإِنْ قَالُوا: النَّافِي قَاذِفٌ وَلَا بُدَّ؟

قُلْنَا: لَا، مَا هُوَ قَاذِفٌ، وَلَا قَذَفَ أَحَدًا، وَقَدْ يَنْفِيهِ عَنْ نَسَبِهِ بِأَنَّهُ اسْتَلْحَقَ، وَأَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِمْ ابْنُ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَقَدْ كَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُ هَذَا، فَلَا قَذَفَ هَاهُنَا أَصْلًا، وَقَدْ يَكُونُ نَفِيهِ لَهُ بِأَنْ أَرَادَ الِاسْتِكْرَاهَ لِأُمِّهِ، وَأَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ فِي حَالَةٍ لَا يَكُونُ لِلزِّنَى فِيهِ دُخُولٌ، كَالنَّائِمَةِ تُوطَأُ، أَوْ السَّكْرَى، أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهَا، أَوْ الْجَاهِلَةِ، فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ النَّافِي قَاذِفًا جُمْلَةً وَاحِدَةً.

ثُمَّ نَظَرْنَا - هَلْ فِي السُّنَّةِ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ؟ فَوَجَدْنَا: مَا ناه أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا سَحْنُونٌ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَدَ رَجُلًا أَنْ دَعَا آخَرَ: يَا ابْنَ الْمَجْنُونِ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا فِي هَذَا الْخَبَرِ فَوَجَدْنَاهُ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهِ أَصْلًا مِنْ وُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: إنَّهُ مُرْسَلٌ وَلَا تَقُومُ بِمُرْسَلٍ حُجَّةٌ.

وَالثَّانِي: مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ غَيْلَانَ التُّجِيبِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَمْ يُعَدَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>