للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَحْنُونٌ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ عَنْ ابْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ قَالَ فِي صَبِيَّةٍ اُفْتُرِيَ عَلَيْهَا أَوْ افْتَرَتْ؟ قَالَ: إذَا قَارَبَتْ الْحَيْضَ أَوْ مَسَّهَا الرَّجُلُ جُلِدَ قَاذِفُهَا الْحَدَّ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا بَلَغَ مِثْلُهَا أَنْ يُوطَأَ: جُلِدَ قَاذِفُهَا الْحَدَّ، وَكَذَلِكَ يُجْلَدُ قَاذِفُ الْمَجْنُونِ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمَا، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ صَغِيرٍ، وَلَا مَجْنُونٍ؟

قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] الْآيَةَ. وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ " الْإِحْصَانَ " فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: هُوَ الْمَنْعُ، وَبِهِ سُمِّيَ الْحِصْنُ حِصْنًا، يُقَالُ: دِرْعٌ حَصِينَةٌ - وَقَدْ أَحْصَنَ فُلَانٌ مَالَهُ: إذَا أَحْرَزَهُ وَمَنَعَ مِنْهُ. قَالَ تَعَالَى {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ} [الحشر: ١٤] . وَالصِّغَارُ: مُحَصَّنُونَ بِمَنْعِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ مِنْ الزِّنَى، وَبِمَنْعِ أَهْلِيهِمْ، وَكَذَلِكَ الْمَجَانِينُ - وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ، وَالرَّتْقَاءُ، وَالْقَرْنَاءُ، وَالْعِنِّينُ - وَقَدْ يَكُونُ كُلُّ هَؤُلَاءِ مُحَصَّنِينَ بِالْعِفَّةِ. وَأَمَّا الْبِكْرُ وَالْمُكْرَهُ فَمُحَصَّنَانِ بِالْعِفَّةِ، فَإِذَا كُلُّ هَؤُلَاءِ يَدْخُلُونَ فِي جُمْلَةِ " الْمُحْصَنَاتِ " بِمَنْعِ الْفُرُوجِ مِنْ الزِّنَى، فَعَلَى قَاذِفِهِمْ الْحَدُّ، وَلَا سِيَّمَا الْقَائِلُونَ: إنَّ الْحُرِّيَّةَ إحْصَانٌ، وَكُلَّ حُرَّةٍ مُحْصَنَةٌ، فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ الْحُرَّةَ، وَالْمَجْنُونَةَ، وَالرَّتْقَاءَ، وَسَائِرَ مَنْ ذَكَرْنَاهُمْ مُحَصَّنُونَ، وَإِسْقَاطُ الْحَدِّ عَنْ قَاذِفِهِمْ خَطَأٌ مَحْضٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ.

فَمَا عَلِمْنَا لَهُمْ حُجَّةً أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا: إنَّ مَنْ قَذَفَ مَنْ ذَكَرْنَا فَقَدْ تَيَقَّنَّا كَذِبَهُ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: صَدَقْتُمْ، وَالْآنَ حَقًّا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ، إذْ قَدْ صَحَّ كَذِبُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مَكَانٌ عَظُمَتْ فِيهِ غَفْلَةُ مَنْ أَغْفَلَهُ، لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ لَا رَابِعَ لَهَا، إمَّا أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، وَقَدْ صَحَّ صِدْقُهُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ - أَوْ يَكُونَ مُمْكِنًا صِدْقُهُ، وَمُمْكِنًا كَذِبُهُ فَهَذَا عَلَيْهِ الْحَدُّ بِلَا خِلَافٍ لِإِمْكَانِ كَذِبِهِ فَقَطْ وَلَوْ صَحَّ صِدْقُهُ لَمَا حُدَّ - أَوْ يَكُونُ كَاذِبًا قَدْ صَحَّ كَذِبُهُ، فَالْآنَ حَقًّا طَابَتْ النَّفْسُ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ، إذْ الْمَشْكُوكُ فِي صِدْقِهِ أَوْ كَذِبِهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>