للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ - فَظَاهِرُ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ فِي الِادِّعَاءِ بَيْنَ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِالْخَيْرِ، وَالْمُشَارِ إلَيْهِ بِالْفِسْقِ، وَلَمْ يُوجِبْ الْفَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ كُلُّهَا عَلَى أَنَّ رَجُلًا يَدَّعِي دَيْنًا عَلَى آخَرَ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْكِرٌ: فَإِنَّهُ يَحْلِفُ - وَلَوْ أَنَّهُ أَحَدُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَدْ قَضَى بِالْيَمِينِ عَلِيٌّ وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا أَحَدَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ، وَلَا أَبْعَدَ مِنْ التُّهْمَةِ، وَالدَّعْوَى بِجَحْدِ الْمَالِ، وَالظُّلْمِ، وَالْغَصْبِ كَالدَّعْوَى بِالْغَلَبَةِ فِي الزِّنَا، وَلَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَرَامٌ، وَمَعْصِيَةٌ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ أُعْطِيَ قَوْمٌ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِصَاحِبٍ مِنْ أَصْحَابِهِ اخْتَصَمَا «بَيِّنَتُك أَوْ يَمِينُهُ» وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ، وَمَالِكٌ مَعَهُمْ عَلَى أَنَّ مُسْلِمًا بَرًّا فَاضِلًا عَدْلًا - وَلَوْ أَنَّهُ أَحَدُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: ادَّعَى مَالًا عَلَى يَهُودِيٍّ، أَوْ نَصْرَانِيٍّ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ أَنَّ الْيَهُودِيَّ، أَوْ النَّصْرَانِيَّ: يَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ، وَأَنَّ الْكَافِرَ لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِ لَأُحْلِفَ لَهُ، فَكَيْفَ يَقْضِي لَهَا بِدَعْوَاهَا، فَيُغَرِّمَهُ مَهْرَهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ فَاسِقٌ، وَلَا فَاسِقَ أَفْسَقُ مِنْ كَافِرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَافِرُونَ هُمْ الْفَاسِقُونَ فَهَذَانِ وَجْهَانِ مِنْ الْخَطَأِ؟ وَثَالِثٌ - وَهُوَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِالسِّجْنِ وَالْعُقُوبَةِ دُونَ بَيِّنَةٍ - وَهَذَا ظُلْمٌ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ. وَرَابِعٌ - هُوَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ يُصَدِّقُهَا أَوْ يُكَذِّبُهَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ - فَإِنْ كَانَ يُصَدِّقُهَا فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا حَدَّ الزِّنَا وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضَ وَضَيَّعَ حَدًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ يُكَذِّبُهَا فَبِأَيِّ مَعْنًى يَسْجُنُهُ وَيُغَرِّمُهُ مَهْرَ مِثْلِهَا، فَيُؤَكِّلَهَا الْمَالَ بِالْبَاطِلِ، وَيَأْخُذَ مَالَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَخَامِسٌ - وَهُوَ أَنَّهُ إنْ تَكَلَّمَتْ - وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا بِالْعَافِيَةِ: جَلَدَهَا حَدَّ الْقَذْفِ، وَإِنْ مَكَثَتْ، فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ: رَجَمَهَا إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً - وَهَذَا ظُلْمٌ مَا سُمِعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>