للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِسْقَاطُ ذَلِكَ كُلِّهِ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ الْمُحَارِبُ الْمَأْمُورُ فِيهِ بِهَذِهِ الْأَوَامِرِ كَافِرًا: لَمْ يَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، لَا رَابِعَ لَهَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ حَرْبِيًّا مُذْ كَانَ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا فَنَقَضَ الذِّمَّةَ وَحَارَبَ فَصَارَ حَرْبِيًّا. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ إلَى الْكُفْرِ. لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ ضَرُورَةً، وَلَا يُمْكِنُ - وَلَا يُوجَدُ غَيْرُهَا، فَلَوْ كَانَ حَرْبِيًّا مُذْ كَانَ، فَلَا يَخْتَلِفُ مِنْ الْأُمَّةِ اثْنَانِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا حُكْمُ الْحَرْبِيِّينَ - وَإِنَّمَا حُكْمُ الْحَرْبِيِّينَ الْقَتْلُ فِي اللِّقَاءِ كَيْفَ أَمْكَنَ حَتَّى يُسْلِمُوا، أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ كِتَابِيًّا - فِي قَوْلِنَا وَقَوْلِ طَوَائِفَ مِنْ النَّاسِ. أَوْ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَيِّ دِينٍ كَانَ مَا لَمْ يَكُنْ عَرَبِيًّا فِي قَوْلِ غَيْرِنَا. أَوْ يُؤْسَرَ فَيَكُونُ حُكْمُهُ ضَرْبَ الْعُنُقِ فَقَطْ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَبَنِي قُرَيْظَةَ، وَغَيْرَهُمْ، أَوْ يُسْتَرَقَّ، أَوْ يُطْلَقَ إلَى أَرْضِهِ، كَمَا أَطْلَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَامَةَ بْنَ أَثَالٍ الْحَنَفِيَّ، وَأَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ وَغَيْرَهُمَا. أَوْ يُفَادَى بِهِ - كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: ٤] . أَوْ نُطْلِقَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَهْلِ خَيْبَرَ. فَهَذِهِ أَحْكَامُ الْحَرْبِيِّينَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ، وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ الصَّلْبُ، وَلَا قَطْعُ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ، وَلَا النَّفْيُ، مِنْ أَحْكَامِهِمْ. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُحَارِبُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ حَرْبِيًّا كَافِرًا وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَنَقَضَ الْعَهْدَ فَلِلنَّاسِ فِيهِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ لَا رَابِعَ لَهَا: أَحَدُهَا - أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ الْحَرْبِيِّينَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>