للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَيْضًا - فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ الصَّلْبُ، وَلَا قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَلَا النَّفْيُ مِنْ الْأَرْضِ؟ فَصَحَّ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُحَارِبَ لَيْسَ كَافِرًا أَصْلًا، إذْ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْكُفْرِ، وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ: حُكْمُ الْمُحَارِبِ. وَالرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهَا الْحَسَنُ بْنُ وَاقِدٍ - وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ - وَهُوَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا مُسْنَدًا، فَإِذْ قَدْ صَحَّ مَا ذَكَرْنَا يَقِينًا فَقَدْ ثَبَتَ بِلَا شَكٍّ أَنَّ الْمُحَارِبَ إنَّمَا هُوَ مُسْلِمٌ عَاصٍ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَالْوَاجِبُ: أَنْ نَنْظُرَ مَا الْمَعْصِيَةُ الَّتِي بِهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُحَارِبًا؟ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمُ الْمُحَارِبِ فَنَظَرْنَا فِي جَمِيعِ الْمَعَاصِي مِنْ الزِّنَا، وَالْقَذْفِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالْغَصْبِ، وَالسِّحْرِ، وَالظُّلْمِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالْمُحَرَّمَاتِ، أَوْ أَكْلِهَا، وَالْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ، وَالزِّنَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ - فَوَجَدْنَا جَمِيعَ هَذِهِ الْمَعَاصِي لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ جَاءَ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ فِي أَنَّهُ مُحَارِبٌ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ شَيْءٍ مِنْهَا مُحَارِبًا. وَأَيْضًا فَإِنَّ جَمِيعَ الْمَعَاصِي - الَّتِي ذَكَرْنَا وَاَلَّتِي لَمْ نَذْكُرْ - لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا نَصٌّ بِحَدٍّ مَحْدُودٍ أَوْ لَا يَكُونَ فِيهَا نَصٌّ بِحَدٍّ مَحْدُودٍ، فَالَّتِي فِيهَا النَّصُّ بِحَدٍّ مَحْدُودٍ فَهِيَ الرِّدَّةُ، وَالزِّنَا، وَالْقَذْفُ، وَالْخَمْرُ، وَالسَّرِقَةُ، وَجَحْدُ الْعَارِيَّةِ - وَلَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْهَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ فِي الْمُحَارِبِ - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْمَعَاصِي مُحَارَبَةً وَهَذَا أَيْضًا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى حَدٌّ مَحْدُودٌ - لَا فِي الْقُرْآنِ وَلَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْحِقَهَا بِحَدِّ الْمُحَارَبَةِ، فَيَكُونُ شَارِعًا فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا لَا يَحِلُّ، بَلْ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» . فَوَجَبَ يَقِينًا أَنْ لَا يُسْتَبَاحَ دَمُ أَحَدٍ، وَلَا بَشَرَتُهُ، وَلَا مَالُهُ، وَلَا عِرْضُهُ إلَّا بِنَصٍّ وَارِدٍ فِيهِ بِعَيْنِهِ، مِنْ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رَاجِعٍ إلَى تَوْقِيفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

<<  <  ج: ص:  >  >>