أَهْلُ الْإِيمَانِ» وَ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» وَ «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا» وَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ. فَلَمَّا حَرُمَ قَتْلُهُ مَصْلُوبًا بِيَقِينٍ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ اللَّعْنَةِ عَلَى مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا - وَحَرُمَ صَلْبُهُ بَعْدَ الْقَتْلِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ جَمْعُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا وَجَبَ ضَرُورَةً أَنَّ الصَّلْبَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْمُحَارِبِ إنَّمَا هُوَ صَلْبٌ لَا قَتْلَ مَعَهُ؟ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا لَبَطَلَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلَكَانَ كَلَامًا عَارِيًّا مِنْ الْفَائِدَةِ أَصْلًا، وَحَاشَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ تَعَالَى هَكَذَا؟ وَلَكَانَ أَيْضًا تَكْلِيفًا لِمَا لَا يُطَاقُ - وَهَذَا بَاطِلٌ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُخَيَّرَ الْإِمَامُ صَلْبُهُ إنْ صَلَبَهُ حَيًّا، ثُمَّ يَدَعُهُ حَتَّى يَيْبَسَ وَيَجِفَّ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الصَّلْبَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَقَعُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ الْأَيْدِي، وَالرَّبْطِ عَلَى الْخَشَبَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ فِرْعَوْنَ {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١]
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: التَّيْبِيسُ، قَالَ الشَّاعِرُ، يَصِفُ فَلَاةً مُضِلَّةً:
بِهَا جِيَفُ الْحَسْرَى فَأَمَّا عِظَامُهَا ... فَبِيضٌ وَأَمَّا جِلْدُهَا فَصَلِيبُ
يُرِيدُ أَنَّ جِلْدَهَا يَابِسٌ. وَقَالَ الْآخَرُ:
جَذِيمَةُ نَاهِضٍ فِي رَأْسِ نِيقٍ ... تَرَى لِعِظَامِ مَا جَمَعَتْ صَلِيبًا
يُرِيدُ: وَدَكًا سَائِلًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَوَجَبَ جَمْعُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، حَتَّى إذَا أَنْفَذْنَا أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ وَجَبَ بِهِ مَا افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ: مِنْ الْغُسْلِ، وَالتَّكْفِينِ، وَالصَّلَاةِ، وَالدَّفْنِ، عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَلَيْسَ الرَّجْمُ اتِّخَاذُ مَا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا؟ وَكَذَلِكَ قَوْلُكُمْ فِي الْقَوَدِ بِمِثْلِ مَا قُتِلَ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute