قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا، وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى - فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ أَسْقَطَ الْقَطْعَ عَنْ الْأَبَوَيْنِ فِي مَالِ الْوَلَدِ إذَا سَرَقَهُ؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» قَالُوا: فَإِنَّمَا أَخَذَ مَالَهُ.
وَقَالُوا: لَوْ قَتَلَ ابْنَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَلَوْ زَنَى بِأَمَةِ ابْنِهِ لَمْ يُحَدَّ لِذَلِكَ، فَكَذَلِكَ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِهِ - قَالَ: وَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُعَفِّفَ أَبَاهُ إذَا احْتَاجَ إلَى النَّاسِ فَلَهُ فِي مَالِهِ حَقٌّ بِذَلِكَ.
وَقَالُوا: لَهُ فِي مَالِهِ حَقٌّ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ كُلِّفَ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ.
وَقَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: ٢٣] .
وَقَالَ تَعَالَى {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: ١٤] . وَقَالَ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: ٢٣] إلَى قَوْلِهِ: {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: ٢٤] فَلَيْسَ قَطْعُ أَيْدِيهِمَا فِيمَا أُخِذَ مِنْ مَالِهِ رَحْمَةٌ؟ فَهَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ - وَكُلُّ ذَلِكَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ، بَلْ هُوَ عَلَيْهِمْ، كَمَا نُبَيِّنُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
أَمَّا مَا ذَكَرُوا مِنْ الْقُرْآنِ فَحَقٌّ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ادَّعَوْا مِنْ إسْقَاطِ الْقَطْعِ فِيمَا سَرَقُوا مِنْ مَالِ الْوَلَدِ، وَلَا عَلَى إسْقَاطِ الْجَلْدِ، وَالرَّجْمِ، أَوْ التَّغْرِيبِ - إذَا زَنَى بِجَارِيَةِ الْوَلَدِ - وَلَا عَلَى إسْقَاطِ الْحَدِّ - إذَا قَذَفَ الْوَلَدَ - وَلَا عَلَى إسْقَاطِ الْمُحَارَبَةِ - إذَا قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى الْوَلَدِ. أَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: ٢٣] فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْإِحْسَانَ إلَيْهِمَا، كَمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا أَيْضًا لِغَيْرِنَا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} [النساء: ٣٦] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute