التَّنَازُعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ الرُّجُوعَ إلَيْهِ، إذْ يَقُولُ {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] الْآيَةَ فَفَعَلْنَا: فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] . وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَوْجَبَ الْقَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ، وَقَالَ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» ؟ .
فَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنًا مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَلَا خَصَّ فِي الْأَمْوَالِ مَالَ أَجْنَبِيٍّ مِنْ مَالِ ابْنٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤]
وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ تَخْصِيصَ الْأَبِ مِنْ الْقَطْعِ لَمَا أَغْفَلَهُ وَلَا أَهْمَلَهُ، قَالَ تَعَالَى {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: ٨٩]
فَصَحَّ أَنَّ الْقَطْعَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَبِ، وَالْأُمِّ، إذَا سَرَقَا مِنْ مَالِ ابْنِهِمَا مَا لَا حَاجَةَ بِهِمَا إلَيْهِ.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ احْتَجَّ بِهِ مَنْ رَأَى إسْقَاطَ الْقَطْعِ عَنْ الِابْنِ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ أَبَوَيْهِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النور: ٦١] الْآيَةَ إلَى قَوْله تَعَالَى: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: ٦١] . قَالَ: فَإِبَاحَةُ اللَّهِ تَعَالَى الْأَكْل مِنْ بُيُوتِ هَؤُلَاءِ يَقْتَضِي إبَاحَةَ دُخُولِ مَنَازِلِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، فَإِذَا جَازَ لَهُمْ دُخُولُ مَنَازِلِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ لَمْ يَكُنْ مَالُهُمْ مُحْرَزًا عَنْهُمْ، وَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ.
وَقَالُوا أَيْضًا: فَإِنَّ إبَاحَةَ الْأَكْلِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ تَمْنَعُهُمْ وُجُوبَ الْقَطْعِ لِمَا لَهُمْ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ، كَالشَّرِيكِ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنَّ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى ذِي رَحِمِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَصَارَ لَهُ بِذَلِكَ حَقٌّ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ بَدَلٍ، فَأَشْبَهَ السَّارِقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute