للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أَمِينٌ فِي مَالِ الْآخَرِ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ كَالْمُودَعِ.

وَزَادَ بَعْضُ مَنْ لَا يُعْبَأُ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةً لَا نَعْرِفُهَا، وَلَفْظًا مَبْدُولًا، وَهُوَ «الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي مَالِ زَوْجِهَا وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ امْرَأَتِهِ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا.

أَمَّا الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فَحَقٌّ وَاجِبٌ لَا يَحِلُّ تَعَدِّيهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْبَرَ: أَنْ كُلَّ مَنْ ذَكَرنَا رَاعٍ فِيمَا ذَكَرَ، وَأَنَّهُمْ مَسْئُولُونَ عَمَّا اُسْتُرْعُوا مِنْ ذَلِكَ - فَإِذْ هُمْ مَسْئُولُونَ عَنْ ذَلِكَ فَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَمْ تُبَحْ لَهُمْ السَّرِقَةُ، وَالْخِيَانَةُ، فِيمَا اُسْتُوْدِعُوهُ وَأُسْلِمَ إلَيْهِمْ، وَأَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ - إنْ لَمْ يَكُونُوا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ وَالْأَبَاعِدِ وَمَنْ لَمْ يُسْتَرْعَ - فَهُمْ بِلَا شَكٍّ أَشَدُّ إثْمًا، وَأَعْظَمُ جُرْمًا، وَأَسْوَأُ حَالَةً مِنْ الْأَجْنَبِيِّينَ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَأَقَلُّ أُمُورِهِمْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّينَ وَلَا بُدَّ؟ فَهَذَا حُكْمُ هَذَا الْخَبَرِ عَلَى الْحَقِيقَةِ.

وَأَيْضًا - فَإِنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ عَلَى مَنْ ذَكَرْنَا فِي الْخِيَانَةِ مَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّينَ مِنْ إلْزَامِ رَدِّ مَا خَانُوا وَضَمَانِهِ، وَهُمْ أَهْلُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَهَلَّا قَاسُوا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ السَّرِقَةِ وَالْقَطْعِ فِيهَا عَلَى مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ مِنْ حُكْمِ الْخِيَانَةِ، وَلَكِنَّهُمْ قَدْ قُلْنَا إنَّهُمْ لَا النُّصُوصَ اتَّبَعُوا وَلَا الْقِيَاسَ أَحْسَنُوا؟ وَأَيْضًا - فَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ أَصْلًا عَلَى تَرْكِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَالْقَوْلُ فِي الزِّيَادَةِ الَّتِي زَادُوهَا سَوَاءٌ - كَمَا ذَكَرْنَا - لَوْ صَحَّتْ وَلَا فَرْقَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ " إنَّ كِلَيْهِمَا كَالْمُودَعِ، وَكَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي الدُّخُولِ " فَأَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْمُودَعَ إذَا سَرَقَ مِمَّا لَمْ يُودَعْ عِنْدَهُ لَكِنْ مِنْ مَالٍ لِمُودَعٍ آخَرَ فِي حِرْزِهِ، وَأَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي الدُّخُولِ لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالٍ مُحْرَزٍ عَنْهُ لِلْمَدْخُولِ عَلَيْهِ الْإِذْنُ لَهُ فِي الدُّخُولِ لَوَجَبَ الْقَطْعُ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُمْ بِلَا خِلَافٍ.

فَيَلْزَمُهُمْ بِهَذَا التَّشْبِيهِ الْبَدِيعِ بِالضِّدِّ أَنْ لَا يُسْقِطُوا الْقَطْعَ عَنْ الزَّوْجَيْنِ فِيمَا سَرَقَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ إلَّا فِيمَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُحْرَزْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا لَمْ يَأْمَنْهُ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ، وَأُحْرِزَ عَنْهُ، كَالْمُودَعِ وَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي الدُّخُولِ وَلَا فَرْقَ - وَهَذَا قِيَاسٌ لَوْ صَحَّ: قِيَاسُ سَاعَةٍ مِنْ الدَّهْرِ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>