فَرَجَعُوا إلَى مَا فَرُّوا عَنْهُ كَيْدًا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلِمَنْ اغْتَرَّ بِهِمْ مِنْ الضُّعَفَاءِ الْمَخَاذِيلِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ: أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ، فَلَوْ لَمْ يَرْوِ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِإِقَامَةِ الصُّفُوفِ، وَالتَّرَاصِّ فِيهَا، وَالْوَعِيدِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ: لَأَمْكَنَ أَنْ يُعْذَرُوا بِالْجَهْلِ، فَكَيْف وَلَا عُذْرَ لَهُمْ؟ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُظَنَّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِأُمَّتِهِ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» .
وَأَمَرَ الْمُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ.
ثُمَّ لَا يُبَيِّنُ لَهُمْ الْوَجْهَ الَّذِي أَفْطَرَا، بِهِ، وَلَا الْوَجْهَ الَّذِي أَمَرَ مِنْ أَجَلِهِ الْمُصَلِّيَ خَلْفَ الصَّفِّ، بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ.
فَهَذَا طَعْنٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ لِأَمْرٍ لَمْ يُبَيِّنُهُ عَلَيْنَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمُسْتَعِيرَ الْجَاحِدَ: خَائِنٌ، وَلَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ، وَالْحَدِيثُ بِذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ - وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ فَسَادَ هَذَا الْخَبَرِ فِي صَدْرِ كَلَامِنَا فِي قَطْعِ السَّارِقِ، وَأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَأَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّدْلِيسِ.
فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ: إنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ يَدَهَا، وَرِوَايَةَ مَنْ رَوَى أَنَّهَا سَرَقَتْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ يَدِهَا: صَحِيحَانِ، لَا مَغْمَزَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الَّتِي تَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ فِي الدِّينِ عَلَى مَا أَوْرَدْنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute