وَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكْفُرْ، وَلَا زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ، وَلَا قَتَلَ نَفْسًا.
فَهَذَا كُلُّهُ نَقَضَ احْتِجَاجَهُمْ فِي قَتْلِ شَارِبِ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ، بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ.
وَذَكَرُوا عَنْ الصَّحَابَةِ: مَا نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَلَدَ أَبَا مِحْجَنٍ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِي مَرَّاتٍ - وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدٍ أَيْضًا - وَكُلُّ ذَلِكَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
أَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي نَسْخِ الثَّابِتِ مِنْ الْأَمْرِ بِقَتْلِ شَارِبِ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ أَحَدٌ مُتَّصِلًا، إلَّا شَرِيكٌ الْقَاضِي، وَزِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ - وَهُمَا ضَعِيفَانِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ فَمُنْقَطِعٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْهُ فَمُنْقَطِعٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ، أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَتْلِ، فَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ فَالْيَقِينُ الثَّابِتُ لَا يَحِلُّ تَرْكُهُ لِلضَّعِيفِ الَّذِي لَا يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ ظَنًّا - فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ جُمْلَةً.
وَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا يَجْلِدُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَمْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَ بِقَتْلِهِ فِي الرَّابِعَةِ، لَكَانَ مُقْتَضَى أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِئْنَافُ جِلْدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ لَفَظَ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَمَرَ فِي الْمُسْتَأْنَفِ بِضَرْبِهِ إنْ شَرِبَ، ثُمَّ بِضَرْبِهِ إنْ شَرِبَ ثَانِيَةً، ثُمَّ بِضَرْبِهِ ثَالِثَةً، ثُمَّ بِقَتْلِهِ رَابِعَةً - هَذَا نَصُّ حَدِيثِهِ وَكَلَامِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
فَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ حُجَّةً لَوْ بَيَّنَ فِيهِ أَنَّهُ أُتِيَ بِهِ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ بَعْدَ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَتْلِهِ فِي الرَّابِعَةِ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ - سَوَاءٌ سَوَاءٌ - فِي حَدِيثِ عُمَرَ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute