قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ عَلَيْهِ حَدُّ الْفِرْيَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ جَعَلَ إتْيَانَ الْبَهِيمَةِ زِنًى فَقَدْ طَرَدَ أَصْلَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ زِنًى فَقَدْ طَرَدَ أَصْلَهُ، إذْ جَعَلَ فِي الْقَذْفِ بِهِمَا حَدَّ الزِّنَى، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا لَيْسَا زِنًى فَالْقَذْفُ بِهِمَا لَيْسَ هُوَ الْقَذْفُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ، وَإِنَّمَا هُوَ أَذًى فَقَطْ فَفِيهِ التَّعْزِيرُ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ - فَإِنَّهُمْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ لَيْسَ زِنًى، وَأَنَّ إتْيَانَ الْبَهِيمَةِ لَيْسَ زِنًى، فَسَاوَوْا بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ، ثُمَّ إنَّهُمْ جَعَلُوا فِي الْقَذْفِ بِفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ حَدَّ الْقَذْفِ بِالزِّنَى، وَلَمْ يَجْعَلُوا فِي الْقَذْفِ بِإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ حَدَّ الْقَذْفِ بِالزِّنَى، وَهَذَا تَنَاقُضٌ.
فَإِنْ قَالُوا: إنَّ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَى؟ قِيلَ لَهُمْ: هَبْكُمْ أَنَّهُ كَالْكُفْرِ، فَهَلَّا جَعَلْتُمْ فِي الْقَذْفِ بِالْكُفْرِ حَدَّ الزِّنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْفَاسِدِ؟ وَهَذَا لَا مَخْلَصَ مِنْهُ؟ فَإِنْ قَالُوا: هُوَ زِنًى، وَلَكِنَّهُ أَعْظَمُ الزِّنَى، فَجُعِلَ فِيهِ أَعْظَمُ حُدُودِ الزِّنَى، لِأَنَّ الْمَزْنِيَّ بِهَا قَدْ تَحِلُّ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ، وَفِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ لَا يَحِلُّ الْمَفْعُولُ بِهِ ذَلِكَ لِلْفَاعِلِ أَبَدًا، فَهُوَ أَعْظَمُ بِلَا شَكٍّ؟ قِيلَ لَهُمْ: هَذَا يَبْطُلُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا - أَنَّ الزَّانِيَ بِحَرِيمَتِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، فَاجْعَلُوا فِيهِ أَغْلَظَ حُدُودَ الزِّنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ.
وَالثَّانِي - أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: وَاطِئُ أَجْنَبِيَّةٍ فِي دُبُرِهَا أَتَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا فَاجْعَلُوا فِيهِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَغْلَظَ حُدُودَ الزِّنَى.
وَالثَّالِثُ - أَنْ يُقَالَ لَهُمْ أَيْضًا: آتِي الْبَهِيمَةَ آتِي مَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، فَقَدْ سَاوَى فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلْتُمْ بِهَا قَوْلَكُمْ، فَهَلَّا جَعَلْتُمْ فِيهِ أَغْلَظَ الْحُدُودِ فِي الزِّنَى أَيْضًا؟ وَلَا فَرْقَ، ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى قَوْلِهِمْ " إنَّ فِعْلَ قَوْمِ لُوطٍ أَعْظَمُ الزِّنَى "؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute