بَعْضٍ» إنَّمَا هُوَ نَهْيٌ أَنْ يَكْفُرُوا ابْتِدَاءً، وَعَنْ أَنْ يَرْتَدُّوا فَقَطْ، لَا أَنَّهُمْ بِقَتْلِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا يَكُونُونَ كُفَّارًا، وَهَذَا بَيِّنٌ لَا خَفَاءَ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكُلُّ مَنْ أُقْحِمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ قَوْله تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ الْقَائِلِينَ: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: ١٠٢] أَنَّ مُرَادَهُمَا لَا تَكْفُرْ بِتَعَلُّمِك مَا نُعَلِّمُك فَقَدْ كَذَبَ، وَزَادَ فِي الْقُرْآنِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَمَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ أَصْلًا.
ثُمَّ صِرْنَا إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: ١٠٢] فَوَجَدْنَا هَذَا أَبْعَدَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهِ شُبْهَةٌ يُمَوِّهُونَ بِهَا مِنْ كُلِّ مَا سَلَفَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَزَوْجِهَا لَا يَكُونُ كَافِرًا بِذَلِكَ؟ بَلْ قَدْ وَجَدْنَا الْمَالِكِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَطُّ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَالتَّخْيِيرِ، وَالتَّمْلِيكِ وَالْعِنَانَةِ، وَعَدَمِ النَّفَقَةِ.
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إبَاحَةُ الْحَنَفِيِّينَ لِمَنْ طَالَتْ يَدُهُ مِنْ الْفُسَّاقِ، وَلِمَنْ قَصُرَتْ يَدُهُ مِنْهُمْ أَنْ يَأْتِيَ إلَى مَنْ عَشِقَ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْمِلَ السَّوْطَ عَلَى ظَهْرِهِ حَتَّى يَنْطِقَ بِطَلَاقِهَا مُكْرَهٌ، فَإِذَا اعْتَدَّتْ أَكْرَهَهَا الْفَاسِقُ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَهُ بِالسِّيَاطِ أَيْضًا، حَتَّى تَنْطِقَ بِالرِّضَا مُكْرَهَةً، فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ نِكَاحًا طَيِّبًا، وَزَوَاجًا مُبَارَكًا، وَوَطْئًا حَلَالًا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَتَاللَّهِ، مَا فِي شَرِيعَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ أَعْظَمُ إثْمًا، وَلَا أَشْنَعُ حَرَامًا وَأَبْعَدُ مِنْ رِضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا أَدْنَى، مِنْ رَأْيِ إبْلِيسَ، وَمِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute