لَمْ يَبْقَ غَيْرُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، إذْ سَائِرُ الْأَقْوَالِ قَدْ سَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً.
فَوَجَدْنَا الْمَنْعَ مِنْهُ جُمْلَةً، كَمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَنْ عَطَاءٍ هُوَ كَانَ الْأَصْلَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .
لَكِنْ لَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلِيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» كَانَ ذَلِكَ مُطْلَقًا لِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ، فَكَانَ هَذَا أَمْرًا مُجْمَلًا، لَا نَدْرِي كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ التَّغْيِيرِ بِالْيَدِ كَيْفَ هُوَ؟ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ بِالْيَدِ يَكُونُ بِالسَّيْفِ، وَبِالْحَجَرِ، وَيَكُونُ بِالرُّمْحِ، وَيَكُونُ بِالضَّرْبِ - وَهَذَا لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيَانٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ: فَوَجَدْنَاهُ أَبْعَدَ الْأَقْوَالِ مِنْ الصَّوَابِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ، وَلَا بِدَلِيلِ إجْمَاعٍ، وَلَا بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا بِرَأْيٍ سَدِيدٍ: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ، فَوَجَدْنَا: مَا نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا اللَّيْثُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - ني يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» فَكَانَ هَذَا بَيَانًا جَلِيًّا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّاهُ.
وَقَدْ رُوِّينَا - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَامِرٍ قَالَ: أُتِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِرَجُلٍ وُجِدَ تَحْتَ فِرَاشِ امْرَأَةٍ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَقَلَبُوهُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ فِي مَكَان مُنَتَّنٍ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي مَكَان شَرٌّ مِنْهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ رَجُلٍ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِمُسْتَعِدٍّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَذَا احْتَلَمَ عَلَى أُمِّي الْبَارِحَةَ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اذْهَبْ فَأَقِمْهُ فِي الشَّمْسِ وَاضْرِبْ ظِلَّهُ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute