للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: إذْ لَيْسَ شَتْمُ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرًا عِنْدَكُمْ، فَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ: إنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الْكُفْرِ؟ فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ عَلَى قَائِلِهِ بِحُكْمِ الْكُفْرِ؟ قِيلَ لَهُمْ: نَعَمْ، مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِنَفْسِ قَوْلِهِ، لَا بِمَغِيبِ ضَمِيرِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّمَا حُكِمَ لَهُ بِالْكُفْرِ بِقَوْلِهِ فَقَطْ، فَقَوْلُهُ هُوَ الْكُفْرُ، وَمَنْ قَطَعَ عَلَى أَنَّهُ فِي ضَمِيرِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمٍ {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: ١٦٧] فَكَانُوا بِذَلِكَ كُفَّارًا، كَالْيَهُودِ الَّذِينَ عَرَفُوا صِحَّةَ نُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ كُفَّارٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَطْعًا بِيَقِينٍ، إذْ أَعْلَنُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذْ قَدْ سَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ فَالْوَاجِبُ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْقَائِلَةُ إنَّ مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَوْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فَهُوَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ كَافِرٌ - سَوَاءٌ اعْتَقَدَهُ بِقَلْبِهِ أَوْ اعْتَقَدَ الْإِيمَانَ بِقَلْبِهِ: فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: ٦٥] {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: ٦٦] .

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: ٢] الْآيَةَ. وقَوْله تَعَالَى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: ٦٥] قَالَ فَقَضَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَسَمَ وَحَكَمَ: أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَحَدٌ حَتَّى يُحَكِّمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا شَجَرَ ثُمَّ لَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ حَرَجًا فِي شَيْءٍ مِمَّا قَضَى بِهِ وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا.

قَالُوا: وَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ نَدْرِي أَنَّ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَى جَمِيعِهِمْ السَّلَامُ - أَوْ شَيْئًا مِنْ الشَّرِيعَةِ، أَوْ اسْتَخَفَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَلَمْ يُحَكِّمْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا أَتَى بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>