للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمْ يُوحِ قَطُّ إلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْعِهِنَّ مِنْ أَجْلِ مَا اسْتَحْدَثْنَهُ، وَلَا أَوْحَى تَعَالَى قَطُّ إلَيْهِ: أَخْبِرْ النَّاسَ إذَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ فَامْنَعُوهُنَّ مِنْ الْمَسَاجِدِ؛ فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا فَالتَّعَلُّقُ بِمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ هُجْنَةٌ وَخَطَأٌ؟ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّنَا مَا نَدْرِي مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ، مِمَّا لَمْ يُحْدِثْنَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا شَيْءَ أَعْظَمُ فِي إحْدَاثِهِنَّ مِنْ الزِّنَى، فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَمَ فِيهِ وَجَلَدَ، فَمَا مَنَعَ النِّسَاءَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَطُّ، وَتَحْرِيمُ الزِّنَى عَلَى الرِّجَالِ كَتَحْرِيمِهِ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا فَرْقَ؛ فَمَا الَّذِي جَعَلَ الزِّنَى سَبَبًا يَمْنَعُهُنَّ مِنْ الْمَسَاجِدِ؟ وَلَمْ يَجْعَلْهُ سَبَبًا إلَى مَنْعِ الرِّجَالِ مِنْ الْمَسَاجِدِ؟ هَذَا تَعْلِيلٌ مَا رَضِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَوَجْهٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنَّ الْإِحْدَاثَ إنَّمَا هُوَ لِبَعْضِ النِّسَاءِ بِلَا شَكٍّ دُونَ بَعْضٍ، وَمِنْ الْمُحَالِ مَنْعُ الْخَيْرِ عَمَّنْ لَمْ يُحْدِثْ مِنْ أَجْلِ مَنْ أَحْدَثَ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُسْمَعُ لَهُ وَيُطَاعُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] وَوَجْهٌ خَامِسٌ: وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْإِحْدَاثُ سَبَبًا إلَى مَنْعِهِنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ سَبَبًا إلَى مَنْعِهِنَّ مِنْ السُّوقِ، وَمِنْ كُلِّ طَرِيقٍ بِلَا شَكٍّ، فَلِمَ خَصَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ مَنْعَهُنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْ أَجْلِ إحْدَاثِهِنَّ، دُونَ مَنْعِهِنَّ مِنْ سَائِرِ الطُّرُقِ؟ بَلْ قَدْ أَبَاحَ لَهَا أَبُو حَنِيفَةَ السَّفَرَ وَحْدَهَا، وَالْمَسِيرَ فِي الْفَيَافِي وَالْفَلَوَاتِ مَسَافَةَ يَوْمَيْنِ وَنِصْفٍ، وَلَمْ يَكْرَهْ لَهَا ذَلِكَ، وَهَكَذَا فَلْيَكُنْ التَّخْلِيطُ.

وَوَجْهٌ سَادِسٌ: وَهُوَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تَرَ مَنْعَهُنَّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَلَا قَالَتْ: امْنَعُوهُنَّ لِمَا أَحْدَثْنَ؛ بَلْ أَخْبَرَتْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ عَاشَ لَمَنَعَهُنَّ، وَهَذَا هُوَ نَصُّ قَوْلِنَا؟ وَنَحْنُ نَقُولُ: لَوْ مَنْعَهُنَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَنَعْنَاهُنَّ، فَإِذْ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ فَلَا نَمْنَعُهُنَّ، فَمَا حَصَلُوا إلَّا عَلَى خِلَافِ السُّنَنِ، وَخِلَافِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَالْكَذِبِ بِإِيهَامِهِمْ مَنْ يُقَلِّدُهُمْ: أَنَّهَا مَنَعَتْ مِنْ خُرُوجِ النِّسَاءِ بِكَلَامِهَا ذَلِكَ، وَهِيَ لَمْ تَفْعَلْ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>