للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«إنَّ صَلَاتَهَا فِي مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا» وَحَضِّهِ عَلَى خُرُوجِهَا إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ.

لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَقْطَعَ عَلَى نَسْخِ خَبَرٍ صَحِيحٍ إلَّا بِحُجَّةٍ؟ .

فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا خُرُوجَهُنَّ إلَى الْمَسْجِدِ وَالْمُصَلَّى عَمَلًا زَائِدًا عَلَى الصَّلَاةِ؛ وَكُلْفَةً فِي الْأَسْحَارِ وَالظُّلْمَةِ وَالزَّحْمَةِ وَالْهَوَاجِرِ الْحَارَّةِ؛ وَفِي الْمَطَرِ وَالْبَرْدِ؛ فَلَوْ كَانَ فَضْلُ هَذَا الْعَمَلِ الزَّائِدِ مَنْسُوخًا لَمْ يَخْلُ ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: إمَّا أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمُصَلَّى مُسَاوِيَةً لِصَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا؛ فَيَكُونُ هَذَا الْعَمَلُ كُلُّهُ لَغْوًا وَبَاطِلًا، وَتَكَلُّفًا وَعَنَاءً، وَلَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلًا؛ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا، أَوْ تَكُونَ صَلَاتُهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمُصَلَّى مُنْحَطَّةَ الْفَضْلِ عَنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا كَمَا يَقُولُ الْمُخَالِفُونَ، فَيَكُونُ الْعَمَلُ الْمَذْكُورُ كُلُّهُ إثْمًا حَاطًّا مِنْ الْفَضْلِ، وَلَا بُدَّ؛ إذْ لَا يَحُطُّ مِنْ الْفَضْلِ فِي صَلَاةٍ مَا عَنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ بِعَيْنِهَا عَمَلٌ زَائِدٌ إلَّا، وَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَلَا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا؟ .

وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ تَرْكِ أَعْمَالٍ مُسْتَحَبَّةٍ فِي الصَّلَاةِ، فَيَحُطُّ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ لَوْ عَمِلَهَا؛ فَهَذَا لَمْ يَأْتِ بِإِثْمٍ لَكِنْ تَرْكُ أَعْمَالِ بِرٍّ، وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ عَمَلًا تَكَلَّفَهُ فِي صَلَاتِهِ فَأَتْلَفَ بَعْضَ أَجْرِهِ الَّذِي كَانَ يَتَحَصَّلُ لَهُ لَوْ لَمْ يَعْمَلْهُ، وَأَحْبَطَ بَعْضَ عَمَلِهِ -: فَهَذَا عَمَلٌ مُحَرَّمٌ بِلَا شَكٍّ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا.

وَلَيْسَ فِي الْكَرَاهَةِ إثْمٌ أَصْلًا، وَلَا إحْبَاطُ عَمَلٍ؛ بَلْ فِيهِ عَدَمُ الْأَجْرِ وَالْوِزْرِ مَعًا، وَإِنَّمَا الْإِثْمُ إحْبَاطٌ عَلَى الْحَرَامِ فَقَطْ وَقَدْ اتَّفَقَ جَمِيعُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمْنَعْ النِّسَاءَ قَطُّ الصَّلَاةَ مَعَهُ فِي مَسْجِدِهِ إلَى أَنْ مَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ وَلَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ، فَصَحَّ أَنَّهُ عَمَلٌ مَنْسُوخٌ؛ فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا فَهُوَ عَمَلُ بِرٍّ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا أَقَرَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

وَلَا تَرَكَهُنَّ يَتَكَلَّفْنَهُ بِلَا مَنْفَعَةٍ، بَلْ بِمَضَرَّةٍ، وَهَذَا الْعُسْرُ وَالْأَذَى، لَا النَّصِيحَةُ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>