فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ نِسْيَانًا مَا لَوْ عَمَدَهُ لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَأَمَّا إذَا تَأَمَّلَ عَوْرَةً أُبِيحَ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْ وُقُوعِ النَّظَرِ عَلَى بَعْضِهَا فِي الصَّلَاةِ؛ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُبَاحٍ وَمُبَاحٍ. فَإِنْ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَنْ صَلَاتِهِ عَمْدًا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُصَلِّي الْعُرَاةُ فُرَادَى قُعُودًا يُومِئُونَ لِلسُّجُودِ وَالرُّكُوعِ فَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً أَجْزَأَهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ يَقْعُدُونَ وَيَقْعُدُ الْإِمَامُ فِي وَسَطِهِمْ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِقَوْلِهِ: أَنَّهُمْ إنْ صَلَّوْا قِيَامًا أَجْزَأَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُصَلُّونَ فُرَادَى، يَتَبَاعَدُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ قِيَامًا، فَإِنْ كَانُوا فِي لَيْلٍ مُظْلِمٍ صَلَّوْا فِي جَمَاعَةٍ قِيَامًا، يَقِفُ إمَامُهُمْ أَمَامَهُمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُصَلِّي الْعُرَاةُ فُرَادَى، أَوْ جَمَاعَةً قِيَامًا يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ وَيَقُومُ إمَامُهُمْ وَسَطَهُمْ، وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ؛ وَيَصْرِفُ الرِّجَالُ وُجُوهَهُمْ عَنْ النِّسَاءِ، وَالنِّسَاءُ وُجُوهَهُنَّ عَنْ الرِّجَالِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: يُصَلُّونَ قِيَامًا يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ، وَلَا يُجْزِيهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ - وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ كَقَوْلِنَا. قَالَ عَلِيٌّ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَالٌ لَمْ تَخْلُ مِنْ إسْقَاطِ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً وَهَذَا لَا يَجُوزُ. أَوْ مِنْ إسْقَاطِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهَذَا بَاطِلٌ. أَوْ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّ الْإِمَامِ فِي تَقَدُّمِهِ؛ وَهَذَا لَا يَجُوزُ. وَغَضُّ الْبَصَرِ يَسْقُطُ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فِي هَذِهِ الْفُتْيَا. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَكْثَرُهَا تَنَاقُضًا. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ بِكُلِّ ذَلِكَ لَا يُوَارُونَ جَمِيعَ عَوْرَاتِهِمْ مِنْ الْأَفْخَاذِ وَغَيْرِهَا، فَكَيْفَ وَالنَّصُّ قَدْ وَرَدَ بِمَا قُلْنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute