وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، فَإِنْ أَقْدَمَ مُقَدِّمٌ عَلَى ادِّعَاءِ عَمَلٍ فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى مِنْ آخَرَ ادَّعَى الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: إنَّ التَّعَوُّذَ لَيْسَ فَرْضًا -: فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨] . وَمِنْ الْخَطَأِ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَمْرٍ ثُمَّ يَقُولُ قَائِلٌ - بِغَيْرِ بُرْهَانٍ مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ -: هَذَا الْأَمْرُ لَيْسَ فَرْضًا، لَا سِيَّمَا أَمْرُهُ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ فِي أَنْ يُعِيذُنَا مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ؛ فَهَذَا أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ: أَنَّهُ فَرْضٌ؛ لِأَنَّ اجْتِنَابَ الشَّيْطَانِ، وَالْفِرَارَ مِنْهُ؛ وَطَلَبَ النَّجَاةِ مِنْهُ: لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّهُ فَرْضٌ، ثُمَّ وَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَيْنَا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ كَانَ التَّعَوُّذُ: فَرْضًا؛ لَلَزِمَ كُلَّ مَنْ حَكَى عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ ذَكَرَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ: أَنْ يَتَعَوَّذَ وَلَا بُدَّ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؛ وَلَا يَرَوْنَ التَّعَوُّذَ عِنْدَ حِكَايَةِ الْمَرْءِ قَوْلَ غَيْرِهِ؛ فَصَحَّ أَنَّ التَّعَوُّذَ الَّذِي اخْتَلَفْنَا فِيهِ فَأَوْجَبْنَاهُ نَحْنُ وَلَمْ يُوجِبُوهُ هُمْ - إنَّمَا هُوَ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، كَمَا جَاءَ فِي النَّصِّ، لَا عِنْدَ حِكَايَةٍ لَا يَقْصِدُ بِهَا الْمَرْءُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ التَّعَوُّذَ: فَرْضًا، فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ الصَّلَاةِ، عَلَى عُمُومِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنِ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثنا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَاصِمٍ الْعَنَزِيِّ عَنْ ابْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ دَخَلَ الصَّلَاةَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، ثَلَاثًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا - اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ، مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute