فَهَذَا آخِرُ عَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَهُ الْمَالِكِيُّونَ بِرَأْيٍ لَا بِخَبَرٍ أَصْلًا، وَمَا لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ إلَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَمْنَعْ الْإِمَامَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ أَنْ يَقُولَ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَلَا مَنَعَ الْمَأْمُومَ مِنْ أَنْ يَقُولَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ فِي قَوْلِهِمَا لِذَلِكَ، وَلَا فِي تَرْكِهِمَا لِقَوْلِ ذَلِكَ، فَوَجَبَ طَلَبُ حُكْمِ ذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثَ أُخَرَ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ وَهُوَ إمَامٌ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَأَنَّهُ عَمَلُهُ إلَى أَنْ مَاتَ؛ فَبَطَلَ قَوْلُ كُلِّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ؛ وَهُوَ أَيْضًا عَمَلُ السَّلَفِ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا كَانَ إمَامًا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ كَثِيرًا، ثُمَّ يَسْجُدُ لَا يُخْطِئُهُ. وَبِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ. أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَهُوَ إمَامٌ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ كَثِيرًا، يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ وَنُتَابِعُهُ مَعًا. وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَ ذَلِكَ. وَبِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إنْ كُنْت مَعَ الْإِمَامِ فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَإِنْ قُلْتَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَحَسَنٌ؛ وَإِنْ لَمْ تَقُلْهَا فَقَدْ أَجْزَأَ عَنْكَ، وَإِنْ تَجْمَعْهُمَا مَعَ الْإِمَامِ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ عَلِيٌّ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ يَقُولُ الْإِمَامُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَلَا يَقُولُ الْمَأْمُومُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَفَرَّقَ بِلَا دَلِيلٍ؛ فَإِنْ كَانَ تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» فَقَدْ تَنَاقَضَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ قَوْلُ الْإِمَامِ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute