فَأَمَّا أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَدَاوُد وَجُمْهُورُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَيَرَوْنَ الْجَهْرَ بِهَا لِلْإِمَامِ، وَالْمَأْمُومِ، وَبِهِ نَقُولُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْجَهْرُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَقُولُهَا الْإِمَامُ سِرًّا - ذَهَبُوا إلَى تَقْلِيدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنْ يَقُولَ الْمَأْمُومُ " آمِينَ " وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَطْعًا، نَعَمْ، وَلَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ أَصْلًا فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ. إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُمْتَحِنِينَ بِتَقْلِيدِهِ قَالَ: إنَّ سُمَيًّا مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَسُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ رَوَيَا كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قَالَ الْقَارِئُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧] فَقَالَ مَنْ خَلْفَهُ آمِينَ فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . هَذَا لَفْظُ سُهَيْلٍ. وَأَمَّا لَفْظُ سُمَيٍّ فَإِنَّهُ قَالَ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧] فَقُولُوا: آمِينَ» . قَالَ: فَلَيْسَ فِي هَذَا تَأْمِينُ الْإِمَامِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا غَايَةُ الْمَقْتِ فِي الِاحْتِجَاجِ، إذْ ذَكَرُوا حَدِيثًا لَيْسَ فِيهِ شَرِيعَةٌ قَدْ ذَكَرْت فِي حَدِيثٍ آخَرَ، فَرَامُوا إسْقَاطَهَا بِذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ فِي إسْقَاطِ جَمِيعِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ أَقْوَى مِنْ هَذَا الْعَمَلِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ تُذْكَرْ كُلُّ شَرِيعَةٍ فِي كُلِّ آيَةٍ، وَلَا فِي كُلِّ حَدِيثٍ، ثُمَّ مِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُهُمْ بِأَبِي صَالِحٍ فِي أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَفْظًا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَلَوْ انْفَرَدَ سَعِيدٌ لَكَانَ يَعْدِلُ جَمَاعَةً مِثْلَ أَبِي صَالِحٍ فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ: أَنْ لَا يَقُولَ الْإِمَامُ " آمِينَ " فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» إنَّمَا مَعْنَاهُ إذَا قَالَ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧] قَالَ عَلِيٌّ: فَيُقَالُ لَهُ: كَذَبْتَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُلْتَ عَلَيْهِ الْبَاطِلَ الَّذِي لَمْ يَقُلْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute