للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَفْعَالُ خَيْرٍ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا مَأْجُورٌ فَاعِلُهَا، فَمَنْ ادَّعَى الْمَنْعَ فِيهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ. فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَإِنَّ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ مُوَافِقُونَ لَنَا فِي هَذَا لِمَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَعَنْ غَيْرِهِمَا رُوِيَ أَيْضًا كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمَّا الْحَائِضُ فَتَقْرَأُ مَا شَاءَتْ مِنْ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا الْجُنُبُ فَيَقْرَأُ الْآيَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُتِمُّ الْآيَةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. فَأَمَّا مَنْ مَنَعَ الْجُنُبَ مِنْ قِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، فَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَحْجِزُهُ عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةُ» وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ أَنْ يَقْرَأَ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُلْزِمُ، وَلَا بَيَّنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ.

وَقَدْ يُتَّفَقُ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَصُمْ قَطُّ شَهْرًا كَامِلًا غَيْرَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَزِدْ قَطُّ فِي قِيَامِهِ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَلَا أَكَلَ قَطُّ عَلَى خِوَانٍ، وَلَا أَكَلَ مُتَّكِئًا. أَفَيَحْرُمُ أَنْ يُصَامَ شَهْرٌ كَامِلٌ غَيْرُ رَمَضَانَ أَوْ أَنْ يَتَهَجَّدَ الْمَرْءُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، أَوْ أَنْ يَأْكُلَ عَلَى خِوَانٍ، أَوْ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا؟ هَذَا لَا يَقُولُونَهُ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا. وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ فِي نَهْيِ الْجُنُبِ وَمَنْ لَيْسَ عَلَى طُهْرٍ عَنْ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَ أَسَانِيدِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ حُجَّةً عَلَى مَنْ يُبِيحُ لَهُ قِرَاءَةَ الْآيَةِ التَّامَّةِ أَوْ بَعْضَ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا نَهْيٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ جُمْلَةً. وَأَمَّا مَنْ قَالَ يَقْرَأُ الْجُنُبُ الْآيَةَ أَوْ نَحْوَهَا، أَوْ قَالَ لَا يُتِمُّ الْآيَةَ، أَوْ أَبَاحَ لِلْحَائِضِ وَمَنَعَ الْجُنُبَ فَأَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا دَعَاوَى لَا يُعَضِّدُهَا دَلِيلٌ لَا مِنْ قُرْآنٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ.

وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ وَلَا مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ، لِأَنَّ بَعْضَ الْآيَةِ وَالْآيَةَ قُرْآنٌ بِلَا شَكٍّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُبَاحَ لَهُ آيَةٌ أَوْ أَنْ يُبَاحَ لَهُ أُخْرَى، أَوْ بَيْنَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ آيَةٍ أَوْ يُمْنَعَ مِنْ أُخْرَى، وَأَهْلُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>