وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، الْفَرْضَ خَاصَّةً، وَأَجَازَ فِيهَا التَّنَفُّلَ وَاَلَّذِي قُلْنَا نَحْنُ: هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَاحْتَجَّ أَتْبَاعُ مَالِكٍ بِأَنْ قَالُوا: إنَّ مَنْ صَلَّى دَاخِلَ الْكَعْبَةِ فَقَدْ اسْتَدْبَرَ بَعْضَ الْكَعْبَةِ قَالَ عَلِيٌّ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٥٠] . فَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيُّونَ حُجَّةً لَمَا حَلَّ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقِبْلَةُ بِنَصِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، وَكُلُّ مَنْ يُصَلِّي فِيهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْتَدْبِرَ بَعْضَهُ - فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ وَأَيْضًا: فَإِنَّ كُلَّ مَنْ صَلَّى إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَهَا عَنْ يَمِينِهِ وَبَعْضَهَا عَنْ شِمَالِهِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهَا عَلَى يَمِينِهِ أَوْ عَلَى شِمَالِهِ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يُكَلِّفْنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَطُّ مُرَاعَاةَ هَذَا، وَإِنَّمَا كُلِّفْنَا أَنْ نُقَابِلَ بِأَوْجُهِنَا مَا قَابَلَنَا مِنْ جِدَارِ الْكَعْبَةِ أَوْ مِنْ جِدَارِ الْمَسْجِدِ قُبَالَةَ الْكَعْبَةِ حَيْثُمَا كُنَّا فَقَطْ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثِنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثِنَا الْفَرَبْرِيُّ ثِنَا الْبُخَارِيُّ ثِنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَعْبَةَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلَالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ، فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ وَمَكَثَ فِيهَا، فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِينَ خَرَجَ: مَا صَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ مِنْ وَرَائِهِ ثُمَّ صَلَّى» . قَالَ عَلِيٌّ: مَا قَالَ أَحَدٌ قَطُّ إنَّ صَلَاتَهُ الْمَذْكُورَةَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَقَدْ نَصَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute