للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ الْبُرْهَانُ يَقُومُ عَلَى سُقُوطِ وُجُوبِ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ يَكْفِي مِنْ سُقُوطِهِ عَدَمُ الْبُرْهَانِ عَلَى وُجُوبِهِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُكَلِّفَنَا اللَّهُ تَعَالَى مُوَافَقَةَ نِيَّةِ الْمَأْمُومِ مِنَّا لِنِيَّةِ الْإِمَامِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]

وَلَيْسَ فِي وُسْعِنَا عِلْمُ مَا غُيِّبَ عَنَّا مِنْ نِيَّةِ الْإِمَامِ حَتَّى نُوَافِقَهَا، وَإِنَّمَا عَلَيْنَا مَا يَسَعُنَا وَنَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْقَصْدِ بِنِيَّاتِنَا تَأْدِيَةَ مَا أُمِرْنَا بِهِ كَمَا أُمِرْنَا، وَهَذَا بُرْهَانٌ ضَرُورِيٌّ سَمْعِيٌّ وَعَقْلِيٌّ وَبُرْهَانٌ آخَرُ: وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ} [النساء: ٨٤] وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ كَافٍ فِي إبْطَالِ قَوْلِهِمْ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ - الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَلْزَمُ الِائْتِمَامَ بِالْإِمَامِ فِيهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا»

فَهَاهُنَا أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالِائْتِمَامِ فِيهِ، لَا فِي النِّيَّةِ الَّتِي لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ لِنَاوِيهَا وَحْدَهُ؟ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا الْخَبَرِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ أَثَرٌ - مِنْ إيجَابِ مُوَافَقَةِ نِيَّةِ الْمَأْمُومِ لِنِيَّةِ الْإِمَامِ -: أَوَّلُ عَاصِينَ لِهَذَا الْخَبَرِ -: فَيَقُولُونَ: لَا يَقْتَدِي الْمَأْمُومُ بِالْإِمَامِ فِي قَوْلِ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: هَذَا؟ قَالُوا: لَمْ يَذْكُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ؟ فَقِيلَ لَهُمْ: وَلَا نَهَى عَنْهُ، وَلَا ذَكَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْضًا مُوَافَقَةَ نِيَّةِ الْمَأْمُومِ لِلْإِمَامِ، لَا فِي هَذَا وَلَا فِي غَيْرِهِ.

ثُمَّ خَالَفَهُ الْمَالِكِيُّونَ فِي أَمْرِهِ بِأَنْ نُصَلِّيَ قُعُودًا إذَا صَلَّى قَاعِدًا، فَأَيُّ عَجَبٍ أَعْجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِخَبَرٍ يُخَالِفُونَ نَصَّ مَا فِيهِ وَيُوجِبُونَ بِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ؟ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>