وَالْإِقَامَةُ: فَإِنَّهُ لِكُلِّ مَنْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ مِمَّنْ شَهِدَهُمَا أَوْ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا؟ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمَا؟ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُصَلَّى فِيهِ جَمَاعَةٌ أُخْرَى إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ.
وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُوهُ بِأَنَّهُ قَالَ هَذَا قَطْعًا لَأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ؟
قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ لَا يَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ أَئِمَّتِنَا فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَهَا فِي مَنَازِلِهِمْ، وَلَا يَعْتَدُّونَ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ مُبْتَدَأَةً أَوْ غَيْرَ مُبْتَدَأَةٍ مَعَ إمَامٍ مِنْ غَيْرِهِمْ.
فَهَذَا الِاحْتِيَاطُ لَا وَجْهَ لَهُ، بَلْ مَا حَصَلُوا إلَّا عَلَى اسْتِعْجَالِ الْمَنْعِ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ خَوْفًا مِنْ أَمْرٍ لَا يَكَادُ يُوجَدُ مِمَّنْ لَا يُبَالِي بِاحْتِيَاطِهِمْ؟ وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ بَقِيَ بْنِ زَرْبٍ الْقَاضِي إذَا دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ جَمَعَ فِيهِ إمَامُهُ الرَّاتِبُ - وَهُوَ لَمْ يَكُنْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدُ - جَمَعَ بِمَنْ مَعَهُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: الْقَصْدُ إلَى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ بِذَلِكَ عَجَبٌ آخَرُ
قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، لَكِنْ قِلَّةَ اهْتِبَالٍ، أَوْ لِهَوًى، أَوْ لِعَدَاوَةٍ مَعَ الْإِمَامِ -: فَإِنَّنَا نَنْهَاهُ، فَإِنْ انْتَهَى وَإِلَّا أَحْرَقْنَا مَنْزِلَهُ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ: فَإِنْ صَلَّوْهَا فِيهِ جَمَاعَةً أَجْزَأَتْهُمْ فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَيُّ رَاحَةٍ لَهُمْ فِي مَنْعِهِمْ مِنْ صَلَاةِ جَمَاعَةٍ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً؟ وَهِيَ عِنْدَهُمْ جَازِيَةٌ عَمَّنْ صَلَّاهَا فَأَيُّ اخْتِيَارٍ أَفْسَدُ مِنْ هَذَا؟
وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: جَاءَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عِنْدَ الْفَجْرِ وَقَدْ صَلَّيْنَا فَأَقَامَ وَأَمَّ أَصْحَابَهُ؟ وَرُوِّينَا أَيْضًا: أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ نَحْوُ عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ.
وَرُوِّينَا أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَنَسٍ وَسَمَّاهُ حَمَّادُ فَقَالَ: فِي مَسْجِدِ بَنِي رِفَاعَةَ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute