فويق ذلك قليلا لتكون مناسبة لمقدار القلم. قلت: وقد اختلفت مقاصد أهل الزمان في هيئة الدواة: من التدوير والتربيع. فأما كتّاب الإنشاء فإنهم يتخذونها مستطيلة مدوّرة الرأسين، لطيفة القدّ، طلبا للخفّة، ولأنهم إنما يتعانون في كتابتهم الدّرج، وهو غير لائق بالدواة في الجملة. على أن الصغير من الدّرج لا يأبى جعله في الدواة المدوّرة. وأما كتّاب الأموال، فانهم يتخذونها مستطيلة مربعة الزوايا، ليجعلوا في باطن غطائها ما استخفوه مما يحتاجون إليه من ورق الحساب الديوانيّ المناسب لهذه الدواة في القطع. وعلى هذا الأنموذج يتخذ قضاة الحكم وموقّعوهم دويّهم؛ إلا أنها في الغالب تكون من الخشب كما تقدّم.
واعلم أنه ينبغي للكاتب أن يجتهد في تحسين الدواة وتجويدها وصونها.
ولله المدائني حيث يقول:
جوّد دواتك واجتهد في صونها ... إن الدّويّ خزائن الآداب
وأهدى أبو الطّيّب عبد الرحمن بن أحمد بن زيد بن الفرج الكاتب إلى صديق له دواة آبنوس محلّاة وكتب معها:
لم أر سوداء قبلها ملكت ... نواظر الخلق والقلوب معا
لا الطّول أزرى بها ولا قصر ... لكن أتت للوصول مجتمعا
فوقك جنح من الظّلام بها ... وبارق بائتلاقها لمعا
خذها لدرّ بها تنظّمه ... يروق في الحسن كلّ من سمعا
أما المحبرة المفردة عن الدواة فقد اختلف الناس فيها، فمنهم من رجّحها ومالوا إلى اتخاذها لخفّة حملها، وقالوا: بها يكتب القرآن والحديث والعلم.
وكرهها بعضهم واستقبحها من حيث إنها آلة النسخ الذي هو من أشد الحرف وأتعبها، وأقلها مكسبا.
ويروى أن شعبة «١» رأى في يد رجل محبرة فقال: ارم بها فإنها مشؤومة لا