الآخر في الإبانة عن المعاني، إلا أن اللفظ لما كان دليلا طبيعيا جعلت آلته آلة طبيعية، والخط لما كان دليلا صناعيّا جعلت آلته آلة صناعيّة؛ ولما تقاسمت الآلتان الدلالة نابت إحداهما مناب الأخرى فأوقعوا اسم اللسان على القلم فقالوا:
الأقلام ألسنة الأفهام، وشرّكوا بينهما في الاسم فقالوا: القلم أحد اللّسانين.
[الجملة الثانية في أصل وضعه؛ وفيه مسلكان]
المسلك الأوّل في وضع مطلق الحروف
قيل: إن أوّل من وضع الخطوط والكتب كلّها آدم عليه السلام: كتبها في طين وطبخه؛ وذلك قبل موته بثلاثمائة سنة، فلما أظلّ الأرض الغرق أصاب كلّ قوم كتابهم. وقيل أخنوخ (وهو إدريس عليه السلام) . وقيل إنها أنزلت على آدم عليه السلام في إحدى وعشرين صحيفة. وقضية هذه المقالة أنها توقيفية علمها الله تعالى بالوحي؛ والمقالتان الأوليان محتملتان لأن تكون توقيفية وأن تكون اصطلاحية وضعها آدم وإدريس عليهما السلام. على أنه يحتمل أن يكون بعض ذلك توقيفيا علمه الله تعالى بالوحي، وبعضه اصطلاحيا وضعه البشر: واحد أو جماعة، فيصير الخلاف فيه كالخلاف في اللغة هل هي توقيفية أو اصطلاحية على ما هو مقرّر في علم الأصول، والله سبحانه وتعالى أعلم «١» .