المسامع، فيا أسفي لخطب ضعضع ركن الجدّ وكان وثيقا، وصوّح «١» روض الفضل وكان وريقا، ونغّص حسن الصبر ولم يزل صديقا، وترك العبد خليقا بهذا القول ومثله معه حقيقا، فآه لدين ومروءة فقدا في قرن، وعلى صون وعفاف أدرجا في كفن، وحصان رزان لا تعرف بوصمة ولا تزنّ؛ لقد أصمّ بها الناعي وإن كان أسمع، وأرّق ما شاء الفؤاد وأراق المدمع، ولم يبق قلبا للصبر إلّا صدعه، ولا أنفا للسّلوّ إلّا جدعه، ولا بابا للتعزّي إلّا أرتجه، ولا عقيما للتأسّف إلا أنتجه، ولو قبل في الموت فدا وصحّ أن يؤخذ فيه فداء لما خلص إليكم ولا ألمّ، ولا عداكم في صروف المنايا المخيفة سلّم، لكن أبى الله إلّا أن تعمّ الحرقة، وتستولي على الوقت الفرقة.
[الضرب الخامس (التعزية بالأخ)]
أبو محمد بن عبد البر:
وكتبت والأنفس مرتمضة، والعين غير مغتمضة، والأنفاس تتصعّد، والأحزان تتأكّد، أسفا للمصاب الذي عمّ وغمّ، وأسمع نعيه فأصمّ، وقال للفرح: كفّ من عنانك، وللتّرح انتظر لأوانك، بوفاة [الفرد] الذي في رأسه نور، وسداد الآراء المختلفة وسداد الثّغور، والفذّ الذي شهد الرجال بفضله، وعقم النساء فما تجيء بمثله، أبي فلان صنوكم، السابق الذي لا يجارى، والشارق الذي لا يسارى، والغيث الذي عمّ المنيل والمستنيل، والليث الذي ورد الفرات زئيره والنّيل، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون! تسليما للقدر وإن ساء، وشمل المرؤوسين والرّؤساء، فياله مصابا ترك كلّ رأس أميما، وأودع صميم كلّ فؤاد ثكلا صميما، لقد أنصل السّمر اللهاذم، وأغمد البيض الصّوارم، وعطّل الكتائب والمقانب، وأوحش المفاوز والسّباسب، ولم يبق مشيد علا إلا