من عادة هذا السلطان إذا سافر أن يخرج من قصره وينزل بظاهر بلده، ثم يرتحل من هناك فيضرب له طبل كبير قبيل الصبح إشعارا بالسفر، فيتأهّب الناس ويشتغل كلّ أحد بالاستعداد للرحيل. فإذا صلّى صلاة الصبح ركب الناس على قبائلهم في منازلهم المعلومة، ووقفوا في طريق السلطان صفّا إلى صفّ، ولكل قبيل رجل علم معروف به ومكان في الترتيب لا يتعدّاه، فإذا صلّى السلطان الصبح قعد أمام الناس، ودارت عليه عبيده ووصفانه ونقباؤه، ويجلس ناس حوله يعرفون بالطلبة يجري عليهم ديوانه، يقرأون حزبا من القرآن، ويذكرون شيئا من الحديث النبويّ، على قائله أفضل الصلاة والسلام!. فإذا أسفر الصبح ركب وتقدّم أمامه العلم الأبيض المعروف بالعلم المنصور، وبين يديه الرّجّالة بالسلاح والخيل المجنوبة، بثياب السّروج الموشيّة، ويعبّرون عن ثياب السروج بالبراقع. وإذا وضع السلطان رجله في الرّكاب، ضرب على طبل كبير يقال له تريال ثلاث ضربات إشعارا بركوبه. ثم يسير السلطان بين صفّي الخيل ويسلّم كلّ صفّ عليه بأعلى صوته «سلام عليكم» ويكتنفانه يمينا وشمالا، وتضرب جميع الطبول التي تحت البنود الكبار الملوّنة خلف الوزير على بعد من السلطان، ولا يتقدّم أمام العلم الأبيض إلا من يكون من خواصّ علوج السلطان، وربما أمرهم بالجولان بعضهم على بعض، ثم ينقطع ضرب الطبول إلى أن يقرب من المنزل.
وإذا ركب السلطان لا يسايره إلا بعض كبار الأشياخ من بني مرين أو بعض عظماء العرب، وإذا استدعى أحدا لا يأتيه إلا ماشيا، ثم ربما حدّثه وهو يمشي، وربما أكرمه فأكرمه بالركوب. فإذا قرب السلطان من المنزل تقدّمت الزّمّالة: وهم الفرّاشون، ويضربون شقّة من الكتّان في قلبها جلود يقوم بها عصيّ وحبال من القصب في أوتاد، وتستدير على كثير من الأخبية وبيوت الشّعر الخاصّة به وبعياله وأولاده الصّغار، تكون هذه الشّقّة كالمدينة لها أربعة أبواب في كل جهة باب،